Sep 14, 2020 3:32 PM
خاص

بشير الجميل... القوة حين تتحول شخصا وحلما

المركزية- أحيانا، تصبح الأسماء أكثر من مجرد وسيلة للتعريف إلى شخص معين. يمر التاريخ على بعضها عرضا كالسيل الجارف. لكن هذه ليست حال كل الأسماء. ذلك أن بعضا منها ينجح في إجبار التاريخ على التوقف عندها والاضاءة عليها. فكم بالحري عندما يكون المعني شخصا بحجم الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي يطوي الوطن عاما جديدا على غيابه، في ظل بحث مستحيل عن أسطورة تشبهه.

صحيح أن الرجل صاحب انتماء مسيحي كتائبي واضح لا يحتاج تفسيرا ولا يحمل لبسا. لكن هذه ليست الحقيقة الدامغة الوحيدة المتعلقة ببشير، مع العلم أنه من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في تاريخ لبنان الحديث. ذلك أن التاريخ لا يمكن إلا أن ينصف بشير ويسجل له أنه أكثر من مجرد شخصية سياسية تتمتع بكاريزما قل نظيرها. إنه الحلم اللبناني الكبير الذي لم يتح القدر ولا المجرمون المتربصون بهذا الوطن للبنان أن يعيشه لأكثر من ثلاثة أسابيع فقط، ويمضي عمره في البحث عن السبيل إليه... من غير جدوى، حتى اللحظة.

 في ثلاثة أسابيع نجح بشير الرئيس المنتخب، الآتي على صهوة جواد رصيده العسكري والسياسي في الميدان وإلى جانب الناس وفي مواجهة السلاح الفلسطيني والأطماع السورية، في امتحان قوة لا يزال كثيرون يطمعون في كسبه، ولم ينجحوا. أثبت بشير في ثلاثة أسابيع أن الرجال والنساء القادرين الأقوياء، والفرسان الشجعان هم الذين يصنعون المناصب، ولا يحتاجون إليها ليدخلوا الذاكرة الجماعية ويحفروا عميقا في الوجدان والقب والعقل. لم يحتج بشير إلى أن يقسم اليمين الدستورية، ولا إلى السكن في قصر بعبدا وممارسة صلاحيات الرئيس القوي في فترة ما قبل الطائف، ليضع لبنان على سكة الانتقال من "جمهورية الـ 1943 إلى حلم الألفية الثالثة. مجرد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية كان كافيا لتسير الدولة "متل الساعة"، كما يقول بعض الذين ابتسم لهم الحظ في لحظة نادرة خاطفة من حياة هذا الوطن، فكان أن عاشوا الحلم إلى جانب الرئيس الحلم، عندما كان الزمن يسير كما يريد الأبطال، وليس العكس.

لكن هذا القدر نفسه لم يكن ورديا إلى هذا الحد في كل محطات حياة الرئيس الشاب، صاحب الابتسامة الأخاذة  والارادة الصلبة. ذلك أنه كان إلى جانب الناس ، وعانى مثلهم الأمرين في الخطف وتقديم فلذات القلوب والأكباد شهداء على مذبح وطن، جعلتنا جريمة 4 آب 2020 نشك في أن يكون مستحقا لدمائهم. فالذاكرة الجماعية اللبنانية تحفظ صورة بشير الرئيس، وبشير المناضل والمقاتل الشرس. لكن قلة قليلة تعرف أن هذا الـ "بشير نفسه" تعرض للخطف عام 1969 على يد مجموعات مسلحة فلسطينية في الأشرفية، قبل أن يتم الافراج عنه بعد ساعات. لكن الأمور لم تنته هناـ بل إن هذه الحادثة أطلقت لدى الشاب المندفع شرارة القتال ضد الوجود الفلسطيني والسوري على الأرض اللبنانية، لا لشيء إلا لأنه كان مؤمنا باستقلال وسيادة لبنان وحريته، وبأن "لا السوري ولا الفلسطيني ولا للي أكبر منو بيقدر يركّعنا"،  فـ"نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه". قد يقول قائل إن بشير كان يشير في هذه العبارة الشهيرة إلى تمسكه بالوجود المسيحي في لبنان، ما يعلل قتاله ضد الفلسطينيين والسوريين، وتزعمه ما اعتبر في حقبة الحرب اللبنانية البغيضة ميليشيات مسيحية"، قرر أن يوحد سلاحها تحت راية "القوات اللبنانية" عام 1980 لكن في ذلك ظلم للرئيس الشاب . فالرجل تجاوز انتماءه المسيحي الكتائبي وعرف كيف يتصالح مع ألد خصوم المعسكر الآخر، على رأسهم الرئيس الراحل صائب سلام، ليقدم نفسه رئيسا لجميع اللبنانيين، مع العلم أن المنطقة الشرقية ذات الغالبية المسيحية شكلت مثالا للبنان الذي كان بشير يحلم به ويخطط به رئيسا قويا قدم ترشيحا "ليس للمناورة ولا للتراجع عنه" كما قال في تموز 1982، بعد مسيرة عسكرية وسياسية شاركه فيها كثيرون كاتم أسراره الأول، "عمو" جوزف أبو خليل، الملاك الحارس لآل الجميل، الذي أكد في إحدى المقابلات الصحافية قبل أعوام أن بشير يهوى الخطر والمغامرة و"قد وصلنا إلى الموت في كثير من الأحيان".

لكن الموت لم يكتف بدق الباب، بل بلغ عائلة بشير الصغيرة، حيث دفعت عنه طفلته مايا من براءتها وطفولتها وجمالها ضريبة الاستشهاد في انفجار كان من المخطط له أن يستهدف بشير، في شباط 1978، فأحس بمرارة الموت وحرقة الغياب في وطن رافق السواد أهله مرارا. وعاد الاجرام ليجعل نساء بكفيا والأشرفية ولبنان يتشحن به في عيد الصليب من عام 1982 إثر انفجار هز بيت الكتائب في الأشرفية، فاغتيل البشير و23 من رفاقه وذهب معه لبنان الحلم  أدراج الرياح. إلا أن الصليب الذي حمله بشير مع لبنان إلى حد الاستشهاد في عيده لا يمكن إلا أن يقود إلى قيامة مستحقة تبدأ بتحقيق عدالة الأرض، ولا تنتهي إلا بقيام دولة حلم بها بشير وسابقوه ولاحقوه على درب البطولة. هذا هو الـ "الوعد يا لبنان" من محبي بشير ومن الثوار الأحرار في مئويتك الأولى لتظل كبيرا... أكبر من الأشخاص والمناصب والأجندات...  

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o