Aug 04, 2020 6:09 AM
صحف

"إجهاض رئاسي" لانتفاضة حتي.. فهل تنجو "حكومة الإنكار"؟

ان استقالة وزير الخارجية السابق ناصيف حتي انطوت على رسائل، بعضها محلي، وبعضها خارجي، وفقاً لمضمون كتاب الاستقالة، فإن السرعة القياسية، التي استغرقها يوم أمس، بين القبول فوراً، والاجتماعين بين الرئيسين ميشال عون وحسان دياب، اللذين اتسما بالعزم، على تعيين بديل، بدا انه كان جاهزاً هو السفير شربل وهبة، تضمن أيضاً رسائل بغير اتجاه، محلي، ووزاري، واقليمي ودولي، بعنوان: ان حكومة الرئيس دياب لن تهتز.. في ما يشبه الرد الرسمي على المطالبة الأميركية برحيل حكومة دياب أو اسقاطها..

بالنقاط، سجلت الحكومة هدفاً مقابل هدف اصابها، في أوّل انتكاسة من داخلها، بعد ستة أشهر على تأليفها.. استباقاً لمرحلة قد تكون نوعية، على غير مسار: منه ما هو متعلق بقرار المحكمة الدولية الجمعة المقبل في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي يواكبها الرئيس سعد الحريري وتياره وقوى 14 آذار وكل لبنان، بعد الإعلان عن إعادة "تلفزيون المستقبل" إلى البث ليوم واحد، هو يوم لفظ الحكم في القضية التي احدثت زلزالاً منذ 14 شباط 2005، وما تزال ارتجاجاته تتردد..

ومنه، ما هو متعلق بمسار معالجة التفشي المجتمعي لوباء كورونا، الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية حوله ان لا مُـدّة زمنياً له، ولا حتى لإيجاد اللقاح اللازم، فالمسألة طويلة الأمد، وعليه، فإن مجلس الوزراء عشية الجولة الثانية من العودة الى الاقفال سيتخذ قرارات يرجح ان تكون قاسية.. بين اقفال لـ24 آب، ومنع التجول، أو الاقتصار على منع التجول ليلاً، في ساعات محددة..

واوضحت مصادر مطلعة لـ"اللواء" ان استقالة الوزير حتي فاجأت الرئيسين عون ودياب الا انهما توافقا في لقائهما الذي عقد قبل الظهر على عدم التأخير في تعيين بديل عنه بإعتبار ان منصب وزير الخارجية استثنائي وحقيبة الخارجية سيادية ولا يمكن ترك الوزارة من دون وزير، فكان الأتفاق على السفير شربل وهبة الذي يشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الديبلوماسية الذي سبق وان طرح اسمه عند تشكيل الحكومة الحالية. 

وقالت المصادر انه جرى التأكيد على ان استقالة حتي يجب ان تشكل حافزا لتفعيل عملها وفهم ان وهبة انضم للقاء عون ودياب في جلسة تعارف بينه وبين رئيس الحكومة على ان اللقاء الثاني بين رئيس الجمهوريةورئيس مجلس الوزراء افضى الى اصدار مرسومي الأستقالة والتعيين. ولفتت المصادر الى انه من المرجح ان يحصل اعادة تقييم للوضع الحكومي يأخذ في الأعتبار تفعيل الحكومة ومدها بدفع جديد للعمل.

لا صحة لما يتردد: وفي هذا السياق، علمت  "الشرق الأوسط"، أنه لا صحة لما يتردّد بأن استقالة حتّي، جاءت استجابة لنصائح خارجية، وإنما لعجز الحكومة عن استعادة ثقة اللبنانيين بحكومتهم، لأن من دونها هناك استحالة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي الذي يراهن لبنان على دوره في مساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية. وقالت مصادر سياسية إن للوزير حتي تاريخا في حياته الدبلوماسية ليس في وارد التفريط فيه، وأكدت أن وجوده في جامعة الدول العربية أتاح له إقامة شبكة من العلاقات التي أراد توظيفها لمصلحة إنقاذ لبنان، لكن عبثاً تحاول في حكومة لا تتعاطى في الشأن السياسي وتحوّلت إلى جزر بعد أن أقحمت نفسها في عزلة عن الخارج. وكشفت المصادر نفسها بأن حتّي، عانى ما عاناه وتبين له أنه يتموضع في غربة عن الحكومة، لكنه أعطى لنفسه فرصة لعله يتمكن من تصويب أداء هذه الحكومة باتجاه العمل لتحقيق فك اشتباك مع المجتمع الدولي والدول العربية القادرة، غير أنه فوجئ بأن الحكومة تدير ظهرها لكل هذه النصائح وتصر على اتباع سياسة الإنكار والمكابرة للواقع المأسوي الذي يحاصر لبنان، من دون أن تلوح في الأفق بادرة أمل تدعو للتفاؤل بأن لدى الحكومة توجّها لإجراء مراجعة نقدية. وقالت إن القشّة التي قصمت ظهر البعير ودفعته إلى حسم قراره بتقديم استقالته، تكمن في الأسباب الموجبة لهذه الاستقالة، ليس هرباً من إنقاذ لبنان من موقعه في الخارجية، وإنما لأن هناك من يرفع في وجهه السواتر الترابية لمنعه من التوجُّه بخطاب تصالحي مع المجتمع الدولي والدول العربية.

ورأت أن الدوافع التي اضطرته للاستقالة تنطلق من أسباب عدة، أبرزها: عدم التجاوب مع رغبته بفتح نافذة للتصالح تقوم على التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس وعدم إقحامه في تجاذبات خارجية تصب لمصلحة محور إقليمي ضد الآخر. كما أن حتي - بحسب المصادر - بدأ يلمس بأن هناك من يحاول تهميشه عبر إسناد المهام الخارجية لمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وكأنه ليس مرغوباً لدى بعض الدول العربية.

ناهيك من أن حتي كان أول من انتقد على طريقته الخاصة المواقف «النارية» لرئيس الحكومة في هجومه على سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا وفي غمزه من قنوات سفراء عرب بذريعة تدخّلهم في الشؤون الداخلية وامتناع دولهم عن مساعدة لبنان تقديراً منه أن هذه المواقف لا تخدم تضافر الجهود المحلية والخارجية لمنع الانهيار.

وقد اضطر حتي إلى استيعاب رد فعل السفيرة الأميركية وعمل على تحضير الأجواء للقاء دياب الذي انتهى إلى فتح صفحة جديدة معها رغم أنه لم يكن مضطراً لأن يفتح النار عليها أسوة بما فعله خلال اجتماعه بوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان متهماً إياه بأن لديه معلومات ناقصة عن مسار الإصلاحات التي حققتها الحكومة.

فدياب - كما تقول المصادر - ورّط نفسه في مشكلة مع فرنسا التي تلعب دوراً لإقناع المجتمع الدولي بإعطاء فرصة للحكومة، وبالتالي يتحمل مسؤولية تعطيل دورها لإنقاذ لبنان.

حتى أن حتي بادر إلى دعم ما قاله لودريان حول الإصلاحات، ما اضطر دياب إلى تصحيح موقفه باستقباله وفداً من السفارة الفرنسية بغياب السفير إصراراً من الأخير على تسجيل احتجاجه حيال ما صدر عن دياب.

كما أن حتي يتزعّم الدعوة لحياد لبنان وأن يبقى قرار الحرب والسلم بيد الحكومة، وهذا ما أزعج «حزب الله»، إضافة إلى أنه من الداعين إلى وقف الحديث عن وجود مؤامرات ضد لبنان من دون أن يقرن اتهاماته بأدلة، مع أن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل أيدا أقواله في محاولة للهروب إلى الأمام لتبرير تقصير الحكومة. وأخيراً فإن حتي بادر إلى قطع الطريق على باسيل الذي يتدخل في كل شاردة وواردة تتعلق بالخارجية، ويحاول أن يدير شؤونها، لذلك فإن الحكومة مهزوزة قبل أن تهزها الاستقالة.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o