May 13, 2020 5:09 PM
مقالات

لبنان: الانهيار الاقتصادي نتيجة خيارات استراتيجية خاطئة

تعتبر الأزمة النقدية المالية المصرفية الاقتصادية التي يعيشها لبنان هذه الأيام من طبيعة تراكمية طويلة في تاريخها وليست بنت ساعتها. والخروج منها يتطلب "مشروعا استراتيجيا" متكاملا وليس مجرد اجراءات تقنية مرحلية وموضعية.

فهذه الأزمة (النقدية المالية المصرفية الاقتصادية) هي مجرد عوارض لخيارات استراتيجة خاطئة، وبالتالي فإن التجارب التاريخية - منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم - تؤكد أن معالجة النتيجة والعوارض من دون معالجة الأسباب ستعيد وضع لبنان بعد فترة وجيزة أمام المشكلة نفسها بعوارض أخطر وأعمق وأصعب.

في الاسباب العميقة والحقيقية للأزمة:

التركيز على أولوية موضوع الفساد والهدر "قضية حق يراد بها باطل". فالفساد والهدر، موجودان في الطبقة السياسية وفي الإدارة اللبنانية بمختلف فروعها، وفي قطاعات اقتصادية عدة منها المصارف على نطاق واسع، ولكن كل ذلك ليس السبب الأساسي والكافي لوصول الأمور الى هذا الدرك من الانهيار الشامل، بل أن الاسباب الحقيقية والشاملة هي التالية:

1- الكلفة المباشرة وغير المباشرة للحروب الداخلية والخارجية والاغتيالات السياسية والاعتصامات وتعطيل المؤسسات الرئاسية والحكومية والنيابية لفترات طويلة والنزوح السوري، على الاقتصاد اللبناني.

2- سياسة الحكومات اللبنانية بتغطية المشروع الايراني والتعايش معه مما حرمها تدريجيا من المساعدات العربية والدولية.

3- العقوبات الاميركية الهادفة الى تجفيف مصادر تمويل إيران وأذرعها، وانعكاسها حذرا لبنانيا وعربيا ودوليا من التعامل مع القطاع المصرفي اللبناني، وتراجع التحويلات بالعملات الأجنبية الى لبنان، وهي تحويلات من دونها لا يمكن تغطية العجز في الميزان التجاري اللبناني الذي يقارب ال 15 مليار دولار سنويا.

4- توقف تدفق "المال السياسي" العربي على فرقاء "14 آذار" لأسباب معروفة (بعضها سياسي وبعضها الآخر يتعلق بالشفافية وحسن التوظيف في المكان المناسب)، في مقابل وقف تدفق المال السياسي والعسكري الإيراني على حزب الله نتيجة انهيار الاقتصاد الايراني بسبب العقوبات الاميركية على طهران.

5- اجواء عدم الاستقرار السياسي والامني التي تعتبر عاملا غير مناسب لبيئة استثمارية جاذبة للبنانيين والعرب والأجانب.

6- يزيد من ذلك استشراء الفساد الاداري والقضائي والسياسي الخ... والأهم: تحويل قسم من الواردات المفترضة لخزينة الدولة الى مصدر لتمويل حزب الله (التهريب والتهرب الجمركي والضرائبي وبناء وتنشيط الاقتصاد الموازي لحزب الله وتسخير المؤسسات الرسمية لتمويل مؤسسات حزبية كالنوادي والجمعيات والطبابة والاستشفاء، ولاستقطاب المحازبين والمناصرين وغيرها...)، واستغلال خزينة الدولة لتمويل الحياة الحزبية والسياسية بالنسبة الى الفرقاء الآخرين (توظيفات وهمية، عقود تعاقدية على سبيل التنفيع، سمسرات وعمولات على مشاريع التلزيمات الخ...)

7- مباشرة حزب الله منذ مطلع العام 2019 وضع اليد على السيولة بالدولار والعملات الأجنبية الموجودة في الأسواق اللبنانية من خلال شبكة من الصرافين لاستخدامها في تخفيف الطوق عنه وعن النظام السوري وعن الحرس الثوري الايراني. (مثلا كلفة استيراد النفط الى لبنان عام 2018 كانت في حدود الملياري دولار... وفي أول ستة أشهر فقط من العام 2019 ارتفعت الى 2،2 مليار دولار ليتبين ان قسما من النفط الذي يُستورد الى لبنان ينقل الى سوريا بالصهاريج عن طريق البر. وقد تم توثيق ذلك من خلال عدة تقارير صحافية وتلفزيونية وقام الاهالي الغاضبون في البقاع وتحديدا على طريق المصنع عدة مرات بقطع الطرقات احتجاجا وتكسير الصهاريج)

8- إتكال الحكومات اللبنانية المتعاقبة على الاستدانة (الاستدانة الداخلية من المصارف حوالى 80 بالمئة من دين الدولة) بفوائد مرتفعة (نتيجة لارتفاع المخاطر السيادية)... 

9- عدم التزام الحكومات اللبنانية المتعاقبة بتعهداتها الإصلاحية للدول المانحة (مؤتمرات باريس الأربعة ومؤتمر سيدر)

في الانعكاسات على أرض الواقع:

من الطبيعي أن تنتج الخيارات السياسية الاستراتيجة الخاطئة (ويمكن وصفها بالفاسدة لأن المنظومة السياسية الممسكة بالسلطة تخلت عن سيادة الدولة لحزب الله في مقابل الحصول على دور سياسي ومناصب في الحكم تسمح بتحقيق منافع مالية مباشرة وغير مباشرة)، خيارات وسياسات مالية (فاسدة) مشابهة للخطأ السياسي والاستراتيجي الفاسد.

من هنا فإن لبنان اليوم يشهد انهيار منظومة سياسية – اقتصادية محلية امتدادا لانهيارها سياسيا واقتصاديا على المستوى الاقليمي.

لذلك، فإن التركيز على موضوع الاصلاح المالي والاقتصادي ومحاربة الفساد (فقط) كأولوية، على الرغم من أهميته وضرورته وعدم جواز استمراره أخلاقيا ووطنيا وقانونيا، يصب في مصلحة حزب الله لأن عدم التركيز على فساد الخيارات الاستراتيجية الإقليمية يبرئ حزب الله من المسؤولية الأساسية عما وصلت إليه الأمور، ويشجع الطبقة السياسية اللبنانية على المضي قدما في "تسويات مرحلية" جديدة مع حزب الله تخدم الاستراتيجية الايرانية على حساب المصالح اللبنانية والعربية.

علاوة على ذلك فإنه يستحيل عمليا تحقيق اصلاحات تقنية في ظل سياسات عامة للدولة تقوم على تغييب القانون واستبداله بموازين القوى التي يفرضها حزب الله، وفي ظل عدم قدرة الدولة (والأهم عدم رغبة المكونات السياسية) على استعادة سيادتها السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية والنقدية وممارستها على حدودها وارضها وشعبها بدون استثناء.

لكن الرهان على الانهيار السياسي والاقتصادي للمنظومة الايرانية في لبنان، لا يعني بالضرورة انهيارا وجوديا لها.

فايران المنهارة اقتصاديا والمعزولة عربيا ودوليا تستخدم القمع للابقاء على منظومتها الداخلية على قيد الحياة، وللابقاء على قدرة التخريب لاذرعها الخارجية.

وما ينطبق على ايران، إقليميا، ينطبق في الوقت ذاته وبالطريقة نفسها على لبنان، فانهيار المنظومة التي تغطي حزب الله سياسيا واقتصاديا لا يعني بالضرورة انهيار منظومته الامنية والعسكرية والاقتصادية التي تمسك بالوضع اللبناني.

لذلك، فإن التسوية الداخلية مع حزب الله في هذه المرحلة سواء من خلال تسوية جديدة او من خلال تعويم التسوية الرئاسية للعام 2016 تعني إعطاء نفس جديد للمشروع الايراني في لبنان والمنطقة.

في إداء حزب الله:

إنطلاقا مما سبق، فإن حزب الله يريد احتواء ثورة اللبنانيين بثورة مضادة تدفع الأمور الى شفير الانهيار لاستدراج خصومه المحليين والاقليميين والدوليين الى مشروع تسوية معه في لبنان تؤمن له التغطية السياسية اللبنانية لوجوده الأمني والعسكري ولسيطرته المباشرة وغير المباشرة على الدولة اللبنانية وقراراتها الاستراتيجية، في مواجهة الضغوط العربية والدولية على ايران وأذرعها على الأقل في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية.

فحزب الله (وبالتالي إيران) يقرأ عودة عربية إماراتية – سعودية الى الملف السوري، ويقرأ اعادة تموضع اميركي عسكري وسياسي في العراق وسوريا، ليس بهدف الانسحاب من الملفين العراقي والسوري، بدل بهدف سد الثغرات التي يمكن من خلالها لايران ان تضغط على الإدارة الاميركية عشية الانتخابات الرئاسية.

ويخشى حزب الله، بفعل حاجة المجتمع الدولي الى معالجة التداعيات الاقتصادية لوباء "كورونا" على الصعيد الدولي، تفاهما أميركيا روسيا على التهدئة في المنطقة من خلال إعادة إحياء مسار جنيف للمفاوضات في شأن مستقبل سوريا بالاستناد الى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، لا بالاستناد الى منصة التفاوض في آستنة التي تشارك فيها إيران.

كما يخشى حزب الله أن تحيي مبادرة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لوقف اطلاق النار في اليمن قرار مجلس الأمن الدولي في شأن اليمن (القرار 2511) مما يعيد الاعتبار الى الشرعيتين العربية والدولية على حساب التمدد الإيراني في المنطقة...

من هنا يتبين أن حزب الله يتحرك على وقع مشروع إقليمي ينتمي اليه ويعتبر رأس حربته... في حين أن من يُفترض أن يكونوا خصوم حزب الله في لبنان، لا يتصرفون وفقاً لمتطلبات المصالح الاستراتيجية اللبنانية والعربية، بل على وقع حسابات سلطوية محلية.

فالسلطة في لبنان بالنسبة لحزب الله هي وسيلة من وسائل خدمة مشروعه الاقليمي، والسلطة بالنسبة لخصومه هي حسابات نفوذ ومواقع داخلية شخصية وفئوية ولو تعارض الوصول اليها مع المصالح العربية التي يُفترض ان يكونوا جزءا من شبكة حمايتها.

ويظهر ذلك بوضوح من خلال ثابتة أن الهجوم على رئيس الجمهورية ميشال عون من جانب كل من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليدجنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لا يزال تحت سقف التسوية معه ومع حزب الله. ولا إشارات الى نية بمواجهة فعلية، بل مجرد إشارات خجولة الى وجود خلاف وتباينات على إدارة الأزمة وموقع هؤلاء الأطراف في السلطة التي يمسك بها حزب الله.

في إداء الفرقاء السياسيين الآخرين:

تعتبر الخلفيات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة (مبدئيا عام 2022، مع الأخذ في الاعتبار إمكان حصول انتخابات مبكرة نظرا لتقدم العماد ميشال عون في السن والحديث عن وضعه الصحي) محركاً أساسياً، وعنصراً بالغ التأثير في إداء الفرقاء وتموضعهم وخياراتهم:

1- رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يريد إحراق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزف عون وإضعاف وتحجيم حضور سليمان فرنجية وسمير جعجع على الساحة السياسية باعتبارهم مرشحين محتملين للرئاسة.

2- حزب الله يرى في رياض سلامة "حصان طروادة" أميركياً يساهم في مشروع العقوبات والتضييق على المنظومة المالية للحزب في لبنان وعبر لبنان. ويبقي قائد الجيش تحت مجهر المراقبة وتحت ضغط الشارع نظراً للعلاقات الاستراتيجية والبنيوية التي تربط الجيش بالعقيدة العسكرية الغربية عموما والأميركية خصوصا، تسلحاً وتدريباً ومساعدات الخ... وإذا كان حزب الله يرفض وصول سلامة الى رئاسة الجمهورية في شكل قاطع، فإنه يرى في إبقاء حظوظ قائد الجيش قائمة (في حال حصول تقاطعات إقليمية ودولية مشابهة لتلك التي حصلت بعد اتفاق الدوحة عام 2008)، مناسبة ل"ترويضه" وابتزازه ومنعه من التصرف على نحو يضر بمشروع حزب الله. ويستفيد حزب الله من عدم قطع الطريق نهائيا على قائد الجيش لمزيد من ترويض العهد وجبران باسيل وابتزازهما لخدمة مشروعه.

3- سمير جعجع وسليمان فرنجية لا ينخرطان في الدفاع عن رياض سلامة لعدم تقوية حظوظه الرئاسية باعتباره منافساً لهما، وإن كانا لا يشاركان مباشرة في الحملة عليه لعدم تقوية جبران باسيل خصمهما المشترك.

4- الرئيس نبيه بري، يخدم مشروع حزب الله، ويتوزع معه الأدوار، عبر موقعه السياسي والرسمي كرئيس لمجلس النواب من خلال ابقاء العلاقة جيدة مع كل من الحريري وجنبلاط لاحتوائهما، وإبقائهما في دائرة القابلية للتسوية مع حزب الله متى قرر الحزب أن ذلك من مصلحته.

5- سمير جعجع يتوجس من "إخراج" مثل هذه التسوية. فهو يريد أن يكون جزءا منها – مبدئياً - بدليل عدم سحب اعترافه برئيس الجمهورية، وعدم اعتباره انتخاب عون خطأ، ولكنه يصطدم خلافا لجنبلاط والحريري بواقع أنه لن يكون الشريك المسيحي الأساسي في مثل هذه التسوية. فالحريري سيكون الأساسي على الساحة السنية ولو اخترقه حزب الله ب"السنة المستقلين"، وجنبلاط سيكون الأساسي على الساحة الدرزية ولو بوجود تمثيل لطلال أرسلان، لكن جعجع لن يكون أساسيا بوجود عون وجبران باسيل، بل سيكون شريكا ل"غير الأساسيين" كسليمان فرنجية والكتائب إذا قررت الانضمام الى اي تسوية.

6- من غير المستبعد، تحت شعار مواجهة الانهيار، رعاية نبيه بري لمبادرة "حكومة وحدة وطنية" لترميم تسوية 2016 من خلال "تسوية فرعية" تقوم على أساس إعادة الحريري وجنبلاط الى الحكومة، وهي عودة لن تكون أمامها عقبات داخلية أساسية، خلافا لما هو ظاهر، خصوصاً إذا وصل الانفجار الشعبي الى مرحلة تتطلب احتواء الشارع بمهدئات جديدة... في حين أن عودة جعجع تتطلب إرضاءه شكلاً من خلال مراعاة نظرته الخاصة الى حجم حضوره بما يقيم نوعاً من التوازن المسيحي مع جبران باسيل والعهد، ويقدمه على سليمان فرنجيه المرشح الجدي لرئاسة الجمهورية المقبلة.

7- يتخوف سعد الحريري من عودة شقيقه بهاء الى الساحة الإعلامية ومحاولته بناء رأس جسر شعبي في الداخل اللبناني من خلال استقطاب بعض الناقمين على السياسات التنازلية لسعد الحريري أمام حزب الله الذي يستفيد من ورقة الابتزاز هذه للحصول على مزيد من التنازلات من سعد الحريري الذي لا يزال يراهن ضمناً على تفاهمه مع الرئيس بري وتحالفه مع وليد جنبلاط للعودة الى رئاسة الحكومة.

8- وليد جنبلاط يتخوف من اقصائه من المواقع الادارية وافراغ الدولة من حضوره. وحزب الله يبتزه بهذه الناحية.

9- صراع داخل الطائفة الشيعية على "وراثة" الرئيس نبيه بري رأس الحربة فيه النائب جميل السيد الذي نجح من خلال "طبخة" تولي الرئيس حسان دياب رئاسة الحكومة في حجز موقع له في نادي "الطباخين". فقد بات واضحا أنه كان صاحب دور في هندسة الحكومة الحالية من خلال تسمية بعض الوزراء وأبرزهم وزير الداخلية محمد فهمي. وفي المقابل، يبرز الدور الأمني - السياسي الذي يلعبه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم المعروف بقربه من حزب الله من دون أن يكون على صراع مباشر مع الرئيس نبيه بري.

10- انفصام كامل، وانقطاع التواصل، وانعدام كامل للثقة بين الرأي العام اللبناني والشعب الجائع والموجوع من جهة وبين الطبقة السياسية التقليدية من جهة مقابلة. فالطرفان يغردان على موجات متباعدة، لا بل متناقضة. وما يزيد من خطورة هذا الواقع وانسداد أفقه أن الشعب يفتقد الى الثقافة السياسية والى "قيادات رأي" تطرح الحلول السياسية المطلوبة، في وقت تراهن القيادات السياسية التقليدية على الواقع الشعبي المذكور لإعادة إنتاج نفسها، تحت شعار تحسين الظروف الحياتية والمعيشية وشعارات محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين التي تحولت الى معركة انتقام سياسي وتصفية حسابات وتقديم ضحايا لإنقاذ "النادي السياسي التقليدي" الممسك بالحياة السياسية منذ اتفاق الطائف الى اليوم.

في المخارج المطروحة:

يغيب في شكل كامل عن الساحة الداخلية أي طرح متكامل لمشروع إنقاذي سياسي – اقتصادي – اجتماعي، مرفق بآلية تنفيذية وبجدول زمني واضح، يحظى بثقة الشعب اللبناني والمجتمعين العربي والدولي. وتتركز الجهود على مخارج وتسويات، الهدف منها العودة الى تقاسم السلطة من جديد على قاعدة سابقة: "أولوية الحل الاقتصادي والمالي وإرجاء البت في ملف سلاح حزب الله والدور الإيراني في لبنان".

وفي ظل التغييب المتعمد لقاعدة ضرورة العودة الى صيغة للحكم في لبنان تضمن "قوة التوازن" بين اللبنانيين التي يؤمنها الدستور اللبناني والآليات الديمقراطية التي ينص عليها لإنتاج السلطة، وتكون مدخلا الى الحلول الاقتصادية والاجتماعية، بديلاً عن "موازين القوى" التي ينتج من خلالها حزب الله السلطة في لبنان على المستويات السياسية والأمنية والإدارية وحتى الاقتصادية، تبقى المعالجات المطروحة محصورة في معالجات آنية في الإطار التقني الذي يفتقد الى الغطاء الشعبي والعربي والدولي، وبالتالي فإن مفاعيلها لن تكون كافية للخروج من الأزمة.

 

في المخارج المطلوبة:

بما أن الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية – وفقاً لما سبق عرضه - لم تعد قابلة للحل في شكل جدي ومثمر من خلال تسويات مرحلية، فقد باتت الضرورة ملحة لتدخل عربي ودولي يساعد في تظهير رأي عام لبناني يطالب ويعمل ويضغط على القيادات السياسية والحزبية من أجل الانتقال من مرحلية التسويات المرحلية على تقاسم السلطة، الى مرحلة من الحلول المستدامة. ويمكن لهذا التدخل أن يتم من خلال الصيغة التالية:  

1- كلام عربي ودولي واضح وصريح ومباشر مختلف عن كلام المرحلة السابقة لناحية الشروط المطلوب توافرها لمساعدة لبنان. فهذه الشروط يجب أن تكون مرتبطة صراحة وعلناً باصلاحات ليس فقط ادارية ومالية واقتصادية، وإنما وقبل كل شيء باصلاحات سياسية تشمل تطبيقا حقيقياً وكاملاً لنصوص الدستور اللبناني، والتزاماً لبنانيا بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بلبنان 1559 (حل الميليشيات ونزع الأسلحة) و1680 (ترسيم الحدود) و1701 (ضبط الحدود) ... وربط المسار اللبناني للحل من خلال هذه القرارات بالشرعية الدولية كما بالنسبة لبوادر ربط المسار السوري بقرار مجلس الامن (2254) وربط المسار اليمني بقرار مجلس الأمن (2511).

2- ما وصلت اليه الامور في لبنان بات يتطلب اعادة بناء اقتصاد وليس اصلاح اقتصاد. فالوضع الذي نعيشه اليوم يشبه انهيار اوروبا اقتصاديا بعد الحرب العالمية الثانية. المخرج كان بمشروع "مارشال" الذي وضعته الولايات المتحدة الأميركية لمنع الشيوعية من التمدد باتجاه أوروبا الغربية، ولم يكن باجراءات تفصيلية داخلية. لبنان اليوم يحتاج لمواجهة المد الايراني المتطرف وما يقابله من "تطرف سني" برعايات تركية وقطرية و"جهادية"، كما كانت اوروبا بحاجة لمواجهة المد الشيوعي. ومثل هذه المواجهة تتطلب رؤية عربية ودولية تواكب رأياً عاماً لبنانياً ضاغطاً على السياسيين في هذا الاتجاه.

3- إن كلاما عربيا ودوليا إيحائياً أو مباشراً بهذا المعنى، ورسائل دبلوماسية عربية ودولية "حاسمة" في إبلاغ بعض المسؤولين اللبنانيين من خلف الأبواب المغلقة بهذا الموقف، بالتزامن مع اصوات لبنانية داخلية تركز عليه، يعيد الصراع الى إطاره الصحيح، ويضع حزب الله في دائرة اتهام الشعب اللبناني ويحول النقمة الشعبية من خلال "الثورة" من "ثورة مطلبية" ناقمة غرائزيا وعاطفيا على المصارف والاغنياء والطبقة السياسية عموما ومن دون تمييز، وعلى القوى الامنية والعسكرية الشرعية التي تتصدى للثوار باعتبارها إداة تنفيذية للسلطة، الى "ثورة تحررية" تعيد للسياسة اللبنانية هويتها العربية وللبنان موقعه الطبيعي في قلب الشرعية الدولية.

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o