الحكومة تترنّح على حبل التعيينات: وزيرا المرده يغيبان عن جلسة اليوم وبري يسعى لتأجيلها
سيغيب وزيرا تيار المردة اليوم عن جلسة مجلس الوزراء، اعتراضاً على ما يراه التيار "استئثاراً" من النائب جبران باسيل بالحصة المسيحية في التعيينات المالية المقترحة. أما الرئيس سعد الحريري، فعاد إلى التهديد بالاستقالة من مجلس النواب دفاعاً عن "الوديعة الأميركية"، فيما يلوّح خمسة وزراء بالاعتراض على الأسماء المقترحة للتعيين
باكراً جداً، وفي عزّ جائحة وباء تهدّد لبنان والعالم، وقعت حكومة ما بعد 17 تشرين الأول ضحيّة تنازع الحصص وجشع الأطراف التي شكّلتها، فتحوّلت ميداناً لصراع على رئاسة جمهورية، على وشك الانحلال، قبل الانتخابات الرئاسية المفترضة!
فالاهتزازات الخطيرة التي أصابت لبنان في الأشهر الأخيرة، وخروج اللبنانيين في 17 تشرين الأول الماضي وتهديد وباء كورونا، لم تمنع النائب جبران باسيل من الإصرار على سياسته السابقة في الإمساك بالمواقع الرسمية المسيحية في الدولة ضمن المحاصصة، وإصراره على رفض تمثيل الآخرين ضمن حصة الطائفة الواحدة، وخصوصاً سليمان فرنجية، هذه المرّة بذريعة نزع السلطة المطلقة من يد رياض سلامة. في المقابل، يصرّ رئيس المردة على تمثيله في موقعين اثنين من هذه المواقع السبعة، بعدما اشتكى طويلاً من احتكار باسيل، مهدّداً بالانسحاب من الحكومة. فرنجية الذي نجح في انتزاع مقعدين وزاريين قبيل تشكيل الحكومة مقابل دعم كتلته لها، لم ينجح أمس في دفع عون وباسيل لإعطائه ما يريد، إذ بقيا حتى ليل أمس مصرّين على الأسماء المطروحة من دون أي تعديل. مساعي حزب الله لم تفلح في إقناع عون وباسيل بالقبول بالشراكة، ولا فرنجية في التراجع عن موقفه. ويرى رئيس المردة أن "باسيل لم ولن يتغيّر وهو يريد الاستئثار"، وهو طالب حزب الله بأن "يعفيه من مهمّة البقاء في هذه الحكومة، فأنا قدّمت ما لديّ وأعطيت دعم كتلتي لكي تتشكّل حكومة ولا يقع البلد في الفوضى"، فيما ردّ ممثّلو الحزب بأن "الوقت ليس مناسباً لفرط الحكومة والظروف دقيقة". وبحسب معلومات "الأخبار"، أن قرار انسحاب فرنجية من الحكومة سيترجم اليوم بشكل أوّلي بغياب وزيريه عن الجلسة التي من المفترض أن تطرح فيها التعيينات. من جهتها، أكّدت مصادر بارزة في قوى 8 آذار، لـ"الأخبار"، أن "كل الجهود فشلت، للأسف، والمعارك لا معنى لها. وفي ظلّ كورونا وكل ما يحصل تُخاض معركة رئاسة الجمهورية".
إقتراح بري: واشارت "نداء الوطن" الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يسعى إلى دفع مجلس الوزراء نحو إرجاء البتّ بالتعيينات اليوم "لمزيد من الشرح حول الأسماء المقترحة من قبل وزير المالية".
هذا المخرج الذي عمل بري على تأمين التوافق عليه أمس، إنما يهدف من خلاله إلى الحؤول من جهة دون الاستفراد برئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية داخل الحكومة، ودون الإمعان في استفزاز رئيس الحكومة السابق سعد الحريري خارجها، حسبما أوضحت مصادر مواكبة للاتصالات التي تكثفت ليلاً على أكثر من خط إزاء ملف التعيينات المالية، مؤكدةً لـ"نداء الوطن" أنّ بري حريص على "عدم كسر فرنجية مسيحياً وعلى عدم إقرار سلة تعيينات تستهدف الحريري والمكوّن السني في التركيبة الوطنية"، كاشفةً في المقابل أنّ "التيار الوطني الحر" بمؤازرة من الرئاسة الأولى كان حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية يرفض منح "المردة" مقعدين مسيحيين في التعيينات المالية وحاول عبر خطوط التوسّط والتواصل مع فرنجية "إقناعه بالقبول بعضو واحد في المصرف المركزي مقابل وعود بالتعويض عليه في تعيينات أخرى يجري التحضير لها في المستقبل القريب".
وإذ بدا من أجوبة "المردة" على هذا الطرح أن فرنجية مصمم على مطلبه بنيل عضوين من الحصة المسيحية في سلة التعيينات المالية المزمع إقرارها، كشفت المصادر أنّ الأمور تسارعت لتدارك الأسوأ حكومياً لا سيما في ضوء تهديد رئيس "المردة" بمقاطعة وزيريه جلسة بعبدا اليوم ما لم تتم الاستجابة إلى مطلبه أسوةً برضوخ دياب لمطالب "التيار الوطني"، لافتةً إلى أن هذا التهديد قد يدفع باتجاه تأجيل البت بالتعيينات حتى الأسبوع المقبل.
التصويت على التعيينات! ورغم التشنج الظاهر في الأجواء الحكومية، غير أنّ مصادر قصر بعبدا أبدت إصرار رئيس الجمهورية على إقرار التعيينات اليوم، معربةً لـ"نداء الوطن" عن تفاؤلها بأن "تسير الأمور بإيجابية"، وهو ما أكدت عليه مصادر رئيس الحكومة بالقول لـ"نداء الوطن": "التعيينات ستطرح على طاولة الجلسة (اليوم) وستبتّ إذا لم يكن بالتوافق فلتطرح على التصويت وقد تمرّ بالأكثرية وقد تسقط إذا صوّت ضدها 7 وزراء"، مشيرةً إلى أنّ "تعديلات حصلت على الأسماء فتم شطب بعضها وإدخال أخرى"، ومشددةً في الوقت عينه على أنّ دياب "لم يُجر أي اتصال بأي من الاطراف السياسية لإقناعه بالسير في التعيينات بدليل عدم الاتفاق الحاصل على كل المناصب".
انتخابات نيابية مُبكرة! أما على مقلب قوى المعارضة السنيّة التي يتزعمها الحريري بالتكافل والتضامن مع رؤساء الحكومات السابقين، فأكدت مصادر مواكبة لـ"نداء الوطن" أنّ ما تردد عن التهديد باستقالة كتلة "المستقبل" النيابية رداً على السياسات الكيدية التي تنتهجها الحكومة "لم يكن من باب المناورة إنما هو أمر مطروح على بساط البحث وقد يتطور بحسب المستجدات إلى مطالبة الحريري بإجراء انتخابات نيابية مبكرة إذا ما تم تجاوز تمثيل المكون السنّي ومحاولة تهميشه في المعادلة الوطنية".
التعيينات قائمة: وفيما أثار الاشتباك المتجدّد على التعيينات المصرفية علامات استفهام حول مصيرها في جلسة مجلس الوزراء اليوم، وما اذا كان التجاذب حولها سيدفع الى تأجيلها، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ"الجمهورية"، انّ فكرة طُرحت امس، لسحب بند التعيينات من جلسة مجلس الوزراء اليوم، على اعتبار انّ طرحه في ظلّ الجو الخلافي القائم حوله، قد يؤزّم الامور اكثر، الامر الذي قد ينعكس بتداعياته السلبية الفورية على الحكومة التي لم تشفَ بعد من الاهتزازات التي تعرّضت لها الاسبوع الماضي بدءاً من تلويح فرنجيّة بالاستقالة، وبعده موقف الرئيس بري، الذي لوّح بتعليق المشاركة في الحكومة، ربطاً بملف المغتربين.
وعلى ما يبدو، فإنّ هذا الطرح لم يلق استجابة، حيث قالت مصادر وزارية معنية بهذا الملف لـ"الجمهورية": "انّ اتمام التعيينات المصرفية ما زال مقرراً في موعده المحدّد في جلسة مجلس الوزراء. وحتى الآن لا يوجد اي تعديل او تغيير في جدول الاعمال".
وإذ اكّدت المصادر انّ هذه التعيينات في معظمها محلولة ولا اشكال عليها، ما خلا بعض المواقع التي ما زالت خاضعة للنقاش، بعد الاعتراضات التي ابداها الوزير سليمان فرنجية، اضافة الى انّ النقاش لم ينتهِ بعد حول اسم النائب الثاني (الدرزي) لحاكم مصرف لبنان، وانّ ما تردّد عن اسم فؤاد أبو الحسن ليس نهائياً حتى الآن، فيما حُسمت المواقع الأخرى، بحيث انّ الأرجحية هي لتعيين الدكتور وسيم منصوري كنائب اول لحاكم مصرف لبنان، وسليم شاهين كنائب ثالث والكسندر موراديان كنائب رابع. والامر نفسه بالنسبة الى مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان: كريستال واكيم، وايضاً بالنسبة الى لجنة الرقابة على المصارف: موفق اليافي، كامل وزنة، مروان مخايل، عادل دريك، فؤاد حداد. وكذلك اسم واجب علي قانصو، ربيع كرباج ووليد قادري في اسواق المال. واشارت المصادر، انّ وزير المال غازي وزنة سيتولّى طرح الاسماء المرشحة للتعيين استناداً الى المادة 18 من قانون النقد والتسليف، التي تُجيز له هذا الحق، وانّه في طرحه سيزكّي اسماً معيّناً ويضيف الى جانبه اسمين او ثلاثة اسماء، وذلك من اجل ان يكون الخيار اوسع.
ولفتت المصادر، الى انّ الاسماء "المحظوظة" ليست نهائية حتى الآن، اذ انّ التوجّه في مجلس الوزراء هو لاعتماد التصويت، والاختيار يتطلّب حصول الشخص المعني على ثلث الاصوات، لذلك من غير المضمون مسبقاً ان تحصل هذه الاسماء على الثلثين، وربما يتمّ اختيار غيرها تبعاً للتصويت الذي سيحصل.
المردة يتهم باسيل: الى ذلك، يؤكّد المطلعون على خلفيات موقف رئيس تيار المردة، انّ خيار الاستقالة من الحكومة جدّي جداً لدى الوزير فرنجية، والسبب الدافع الى رفع سقف الموقف الى هذا الحدّ هو التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، عبر الإصرار على الاستئثار بالحصة المسيحية الكاملة تقريبًا في التعيينات المصرفية، يعني من اصل 7 مقاعد مسيحية، يريد الاستئثار بـ6. يعني انّه يريد ان يأكل البيضة وقشرها.
وبحسب هؤلاء، فإنّ اصرار فرنجية، على مقعدين من هذه التعيينات، لا ينطلق من خلفية تحقيق مكسب، بل تأكيد حق له وللجمهور الذي يمثله، وبالتالي لا يقبل ان يتمّ تذويبه بذات العقلية الاستئثارية التي ارخت بأضرارها على البلد بشكل عام وعلى العهد بشكل خاص، ومع ذلك ما زالت مستمرة بذات المنحى، وتريد حصر كل شيء بجماعتها، وترفض التنازل عمّا هو حق لغيرها.
ويؤكّد المطلعون على موقف المردة "انّ الكرة ليست في ملعب فرنجية، بل في ملعب من يصرّ على ان يلبس ثوب التعيينات وحده، والمقصود هنا النائب باسيل. الوزير فرنجية لا يطالب بأمور تعجيزية، بل بالحد الادنى من الحقوق، ومن موقعه كشريك اساسي في هذه الحكومة وليس كمالة عدد، وهذا الموقف ثابت، وليس مقبولاً أبدًا أن يتمّ تجاوز حقوق المردة، وان يستمر باسيل في حكم البلد على كيفه، كما لا نقبل بأن يأخذ البلد الى المكان الذي يريده".
وحول ما يتردّد عن إمكان سحب موضوع التعيينات من جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم، يلفت المطلعون الى "ان لا مشكلة في هذا المجال بالنسبة الى تيار المردة، فالعقدة الاساس موجودة لدى جبران باسيل، وعليه أن يحلّها".