Mar 31, 2020 4:04 PM
خاص

عبد الحليم خدام... آخر أقانيم الوصاية السورية على لبنان يهوي

المركزية- أن يذكرك التاريخ لا يعني بالضرورة أن بصماتك في هذه الحياة مطبوعة بالايجابية. لكنه يعني بالتأكيد أن شخصيتك فيها وفي إرثها ما يستحق التوقف عنده والاضاءة عليه سلبا أو ايجابا. فكم بالحري عندما يكون المعني شخصية بحجم نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام.

صحيح أن مرور عقد ونصف العقد على الانسحاب السوري من لبنان قد جعل الوهج الذي تمتع به هذا الاسم على مدى عقود في لبنان يخفت. لكنه لم يغرق في بحر النسيان. فالذاكرة الجماعية اللبنانية ستحفظ دوما بين حناياها خدام كمهندس للاحتلال السوري للبنان منذ العام 1976، حيث أنه هو الذي تولى تأمين تغطية العالم العربي (ذي الغالبية السنية) الوصاية السورية على لبنان من جانب نظام ديكتاتوري  على رأسه الأقلية العلوية في سوريا، ما يعني أن خدام أمن، من حيث يدري، دعما سنيا مستترا للأقلية العلوية في سوريا أتاحت للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إحكام قبضة حديدية على "الشام" وتثبيت حكمه على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

لكن الأسد الأب لم يكن المستفيد الوحيد من هذا الواقع، بل إن عبد الحليم خدام، المعروف بولائه التام للرئيس السوري الراحل اغتنم الفرصة ليعزز موقعه على الخارطتين السورية المحلية وتلك الاقليمية والدولية. كل هذا يجعل الرجل أكثر من مجرد منتسب إلى حزب البعث. تنقل في مواقع عدة من محافظ القنيطرة إلى أن بلغ منصب وزير الخارجية الذي عاد وتركه لفاروق الشرع ليكون نائب الرئيس السوري الأشهر في تاريخ البلاد الحديث . إنه عن حق الذراع التنفيذية للرئيس الأسد الأب وكاتم أسراره الأول.

هي إذا ثقة عمياء بين الرجلين دفعت الأسد المعروف بكونه يخشى الليل والحركات الانقلابية من أقرب المقربين، إلى التخلي عن هذه "الفوبيا" ليضع بين أيدي خدام  قضايا حساسة كالملف اللبناني، فتحول نائب الرئيس السوري إلى أقنوم أساسي من أقانيم حقبة الوصاية السورية، إلى جانب اللواء غازي كنعان الذي انتحر بشكل غامض عام 2005 واللواء رستم غزالي الذي قضى هو الآخر في ظروف غامضة في 24 نيسان 2015 في المستشفى. اليوم هوى الاقنوم الثالث من أركان الوجود السوري في لبنان، بنوبة قلبية مباغتة في منفاه الطوعي الباريسي، على عكس قلبه الذي خانه على حين غرة، لم يخن خدام الأمانة الأسدية مرة واحدة، إلى حد أنه نفذ السياسة الرسمية السورية في لبنان بحذافيرها وعرف كيف يقيم توازنا في مواقف سوريا بين المعسكرين الروسي والأميركي في أروقة القرار الرسمي، حتى أن البعض يذهبون إلى حد وصفه بـ "رجل السعودية" في سوريا مع العلم أن علاقة جيدة كانت تربطه بالرئيس الشهيد رفيق الحريري وكثير من أطراف الداخل اللبناني.

غير أن صداقته هذه مع الرئيس الشهيد كانت له نعمة في لبنان، قبل أن تتحول نقمة ستعكر صفو علاقته بالرئيس السوري الحالي بشار الأسد. ذلك أن العلاقات السيئة بين الحريري والأسد الاب لا تحتاج تذكيرا. يكفي فقط أن نتذكر دموع الرئيس فؤاد السنيورة وهو يروي وقائع الاجتماع العاصف الشهير بين الرجلين، حيث هدد الأسد الحريري حرفيا بـ "تكسير البلد على رأسه"، ما لم يوافق على التمديد للرئيس إميل لحود.

ويقول عارفون بالكواليس السياسية إن الاختلاف في ما يخص العلاقة مع الحريري وسواه من الأطراف المحليين قد يكون سببا وراء قراره مغادرة سوريا طوعا بعدما استشعر أن خطرا يحوم حول دوره التاريخي في أروقة النظام السوري. مع العلم أنه كان فتح طريق قصر الشعب أمام الأسد الابن، من باب تعديل دستوري أتاح له الترشح على رغم صغر سنه غداة وفاة والده في حزيران 2000، وكان قد عمل على ترقيته إلى رتبة فريق في الجيش السوري، ليعبد له طريقه الرئاسي.

على أي حال، هذه كلها وقائع سيكتبها التاريخ عن عبد الحليم خدام عندما تدق ساعة المحاسبة السياسية. وفي الانتظار، أمر واحد يبدو أكيدا: كثير من أسرار الحكم الأسدي والوصاية السورية على لبنان رحلت مع خدام... وحتى التاريخ لن يتمكن من كشفها... 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o