Feb 25, 2020 2:53 PM
خاص

حسني مبارك... مصر تطوي صفحة ديكتاتورية بحبر القمع...

المركزية- ليست وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بالأمر العادي، أو الخبر الذي يمكن أن يمر مرور الكرام. فالرجل أكثر من مجرد رئيس دولة عربية كبرى توفي عن عمر 94 عاما بعد صراع مع المرض. إنه الرئيس المصري الأطول حكما للبلاد، وهو أول "ريّس" تخلعه ثورة شعبية رائعة، ساهمت في إطلاق شرارات الربيع العربي في أكثر من مكان، وهو الرئيس الذي أعاد القاهرة عاصمة للجامعة العربية والموقف العربي الموحد.

صحيح أن أبناء جيل التسعينيات والألفية الثالثة من المطلعين على الشؤون السياسية في العالم العربي قد لا يتذكرون من حكم الرئيس مبارك إلا مرادفا لقمع الحريات وإسكات الأصوات المعارضة وانتشار الفساد في ظل قبضة ديكتاتورية حديدية فرضت على مصر وشعبها. لكن أحدا لا يشك في أن التاريخ العربي، إذا نجح القيمون عليه في كتابته موحدين، سيذكر مبارك كواحد من سعاة السلام بين العرب والعدو الاسرائيلي. ذلك أن هذا الضابط الطيار في الجيش المصري شارك في حرب أوكتوبر 1973 ضد اسرائيل تحت إشراف الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، وأن الأخير، وعلى رغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على اغتياله على يد إحدى الجماعات الاسلامية عام 1981، لا يزال اسمه مرادفا لمعاهدة "كامب دافيد" التي وقعتها القاهرة وتل أبيب عام 1979 بوساطة أميركية. غير أن هذا لا ينفي أن مبارك لعب هو أيضا، من موقعه كنائب للرئيس المصري، دورا بارزا في متابعة مسار المفاوضات الذي انتهى إلى توقيع هذا الاتفاق التاريخي، الذي يعد واحدة من أهم المحاولات لإطلاق عملية السلام بين العرب واسرائيل.

غير أن القدر لم يكتب لأنور السادات أن يعيش طويلا ليقطف الثمار السياسية لهذا الاتفاق، فاغتيل ليحل مكانه نائبه حسني مبارك ويحكم البلاد كالديكتاتور على مدى 30 عاما.

وسيذكر التاريخ نفسه أن هذا الرئيس نجح في إنهاء العزل العربي الذي فرض على مصر، من باب تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية عقب كامب دافيد، فأعاد بلاده إلى الحضن العربي، حتى أنه نجح في تحويل العاصمة المصرية مقرا دائما للجامعة. وفي قراءة بين سطور هذه الخطوة، يعتبر بعض المحللين أن مصر رمت إلى تأكيد دورها المحوري في القرار السياسي العربي خصوصا أن مبارك كان يعمل على تقديم نفسه كواحد من أهم حلفاء الغرب في دنيا العرب، ما يفسر إصراره على مواجهة الجماعات الاسلامية المتطرفة، ودوره خلال حرب الخليج الثانية، التي برز فيها حليفا للغرب.

لكن هذا النجاح العربي والدولي المشهود لمبارك، في واد، وفشله على الساحة المصرية الداخلية في واد آخر. ذلك أن الرجل الذي وصل إلى السدة الرئاسية من باب استفتاء شعبي جدد لنفسه 4 مرات في الأعوام 1987، 1993، و1999. إلى أن حل العام 2005 الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بأحداثه وتقلباته. ففيما كان الشعب اللبناني يثور ضد الوجود السوري في البلاد، كان المصريون المعارضون يواجهون التعديلات الدستورية التي حاول مبارك (بنجاح ) فرضها، وهو ما أدى إلى اجراء أول انتخابات رئاسية في بلاد الأهرام، انتهت بطبيعة الحال إلى فوز مبارك بولاية رابعة، بفعل القمع الذي مارسته السلطات في مواجهة المعارضة، التي لم تصفق للنمو الاقتصادي اللافت، بقدر ما جهدت لتصويب الممارسات السياسية الخاطئة ووضع الاصبع على جرح الفساد.

غير أن الشعب الذي ضاق ذرعا بالتضييق المتعمد عليه وعلى أفكاره وآرائه السياسية، تعلم الأمثولة من نظيره التونسي، الذي أطاح الرئيس زين العابدين بن علي إبان ثورة الياسمين في كانون الأول 2010. سريعا انتقل المصريون إلى الميدان ليطبقوا الأمثولة التونسية في أرض الفراعنة. غير أنهم هذه المرة لم يكتفوا بالاعلام التقليدي، باتت أمامهم وسيلة جديدة: مواقع التواصل الاجتماعي التي ملأت سريعا فراغ الحريات المغيبة. منشور واحد على صفحة الشاب وائل غنيم على فايسبوك كان كفيلا بإنزال أكثر من 8 ملايين مصري إلى الشارع، وتحديدا ميدان التحرير في القاهرة، للتظاهر ضد القمع والفساد والتوريث السياسي، على اعتبار أن التعديلات الدستورية التاريخية كانت أول غيث التوريث السياسي من الرئيس مبارك لنجله الأكبر علاء. ردت آلة السلطة بقمع المتظاهرين بعنف بعدما رفض "الثوار" الورقة الاصلاحية التي قدمها إليهم مبارك، متمسكين بشعارهم الشهير الذي أصبح لاحقا ملازما لكل الثورات العربية (بما فيها تلك التي يشهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول) "الشعب يريد إسقاط النظام". هدف ثمين حققه الشعب المصري بإجبار مبارك على التنحي في 11 شباط 2011، علما أن القضاء المصري حاكمه ونجليه علاء وجمال بتهم فساد وقمع المتظاهرين، في مسار انتهى إلى تبرئة "الريس" من التهم الموجهة إليه بعدما قضى سنوات في السجن يدفع ثمن تجاوزاته في جنة الحكم. وفيما كان القضاء يأخذ مجراه الطبيعي في دولة تحترم الشعب الثائر، كانت مصر تشهد واحدا من أسرع التحولات السياسية بوصول الرئيس محمد مرسي من جماعة الاخوان المسلمين إلى الحكم. غير أن مصر الخارجة لتوها من ثورة الحرية لم تتأخر في كتابة فصل ثوري جديد قاده هذه المرة رئيس أركان الجيش عبد الفتاح السيسي، أطاح مرسي وزجه هو الآخر في السجن، ونقل السيسي إلى سدة الرئاسة، لتعود مصر بذلك إلى حكم العسكر... فهل يتحول ديكاتوريا مجددا؟ 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o