Feb 21, 2020 8:59 AM
مقالات

لماذا تُهادن "القوات" الحكومة وتمنحها فرصة؟

فيما لم يعط افرقاء قوى 14 آذار سابقا الحكومة الثقة في جلسة اقرار البيان الوزاري، بدا لافتا ان بعض هذه القوى بادر الى اعطاء فرصة للحكومة علما ان الخارج لا يظهر تحفظا عنها كما هي حال دول الخليج العربي للاسباب المعروفة المتعلقة بتركيبة الحكومة من افرقاء اللون الاقليمي الواحد وكذلك الامر بالنسبة الى الدول الغربية التي يتفاوت موقفها بين الانتظار السلبي وفق ما يميل اليه الموقف الاميركي والانتظار الايجابي الذي يميل اليه الموقف الفرنسي على سبيل المثال.

وكان ابرز المواقف اللافتة في شأن اعطاء الحكومة الفرصة ظهر في الايام الاخيرة مع تصريحات لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على خلفية ما يصنف سياسيون كثر موقف الاخير باعتباره على صلة بالمزاج العربي وحتى بالمزاج الاميركي، فيما هو يذهب عكسهما في هذا الاطار. ويعتقد المتصلون بجعجع بان السبب الرئيسي لموقفه المرن يرتبط بواقع الوضع الصعب جدا في البلد بحيث ان الحاجة ماسة للانقاذ من جهة ولان لا بديل راهنا عن حكومة تتولى القيام بذلك من جهة اخرى لا سيما وان الحكومة لم تتخذ اي موقف حتى الان من اجل الحكم عليها. وهناك مواقف اخرى صبت اخيرا في هذا الاتجاه من افرقاء المعارضة بالذات على عكس التحفظات التي ظهرت من الافرقاء الذين اتوا بالوزراء في هذه الحكومة، الا ان المعطيات المتوافرة حول موقف "القوات اللبنانية" تفيد بوجود اقتناع لدى جعجع بان رئيس الحكومة حسان دياب غير المعروف من غالبية الطبقة السياسية ومن غالبية اللبنانيين اظهر جدية في الاجتماعات التي يعقدها وذلك في الوقت الذي اذا اظهر تصميما فعليا على التصدي لمعالجة الازمة الاقتصادية المالية والاقتصادية الراهنة فانه لا بد ان يصطدم بـ"التيار الوطني الحر" ورئيسه والافرقاء الاخرين الذين تضمهم الحكومة وهم من يحتفظون بمصالح اعاقت ولا تزال تعوق عملية الاصلاح. فدياب الذي يأخذ مخاطرة كبيرة بتسلمه رئاسة الحكومة في هذا الظرف واذا كان مصمما على النجاح فانه لن يتمكن من السماح بمنعه من السير بالاصلاح خصوصا ان الواقع الخطير الذي يغرق فيه البلد ويربك الجميع بمن فيهم افرقاء الاكثرية الحاكمة يتيح له رفع سقف طلباته والضغط على الافرقاء المعنيين من اجل هذا الهدف.

فاذا لم يفعل فانه سيتحمل مسؤولية ذلك تماما كما تحمل الرئيس سعد الحريري مسؤولية ادارة الوضع في المرحلة الماضية بمسايرة قوية للعهد الى الحد الذي لم يعد يتحمله ودفع كلفته على نحو باهظ. يفترض تبعا لذلك ان لا امكانية للصفقات فيما وعى الجميع على سبيل المثال الكلفة الباهظة للاستمرار في ملف الكهرباء كما في السابق وذلك فيما ان الانتفاضة حققت الكثير في كشف تورط الاكثرية في ملفات الفساد وليس تغطيته فحسب كما في حال “حزب الله” على سبيل المثال. فهذا الاخير غدا راهنا وبعد انتفاضة 17 تشرين الاول في موقع محرج كونه ظهر ان حلفاءه على الاقل ليسوا منزهين عن الفساد وهو ايضا من خلال سيطرته على موارد ومواقع اساسية في البلد فيما كشفت الانتفاضة ايضا جميع الافرقاء لكن خصوصا اولئك الذين يتحصنون بالقاء التهم على الاخرين بالفساد فيما هم ليسوا براء منها كالتيار الوطني الحر ايضا.

ويبدو وفقا لهذا التقويم ان "القوات اللبنانية" لا تنظر الى الحكومة بعين او معايير سياسية تبعا للاصطفاف الذي اتى بها اي قوى 8 آذار فيما بقيت كل قوى 14 آذار سابقا خارجها. فالمعيار حتى الان هو اعطاء فرصة لمن يمكن ان يكون قادرا على التخفيف عن الناس ولكن هل ان نجاح الحكومة بما تمثل لن تسعى القوى التي اتت بها الى مصادرة نجاحها لاحقا على خلفية ان هذا النجاح تحقق لان احزاب وقوى 14 اذار كانت خارجها وهي التي كانت وراء تعطيل اتخاذ القرارات او انه نجاح لن يصادر لمصلحة محور اقليمي يتصف الان بتخريب الدول وليس بانمائها او تطورها؟ هذا الافق السياسي للواقع الراهن لا يبدو مطروحا بالنسبة الى جعجع اقله في الظروف الحالية. لكن لا يمكن مناصبة حكومة جديدة العداء في رأيه لان افرقاء سياسيين محددين سموا وزراءها فيما ان البعض من هؤلاء لم يوزر بموافقة هؤلاء الافرقاء بل لغياب البديل وضيق هامش الاختيار. يبقى انه اذا لم نبدأ كلبنانيين بمساعدة انفسنا لن يساعدنا احد والعكس صحيح في رأيه وهذا ينسحب على قدرة الافرقاء في المعارضة وان كانوا راهنا غير موحدين في الاتفاق على خطوات سياسية خصوصا اذا كان الامر يتصل بالمرحلة المقبلة في حال كان توافق على انتخابات مبكرة يفرضها على سبيل المثال اسقاط المجلس النيابي الحالي والذهاب بعد ذلك الى انتخابات وتقرير ما الموقف الذي يمكن اتخاذه من رئاسة الجمهورية او طبيعة الحكومة المقبلة.

وازاء المواقف التي ترى ضرورة في اتجاه تغيير في موقع الرئاسة الاولى واستقالة الرئيس ميشال عون كونه يعتبر مسؤولا عن الازمة الراهنة من وجهة الفشل في تحييد لبنان ورميه في حضن محور اقليمي كما الفشل في الحكم بدليل الانهيار الحاصل، فان ما ينقل عن جعجع في هذا الاطار يتصل بسعيه الى معرفة ماهية الخطوة التي يمكن ان تعقب استقالة رئيس الجمهورية قبل تبنيها او الخوض فيها. اذ ان المسألة ليست وفق ما قاربتها بكركي او يقاربها البعض بانه يمكن الاستغناء عمن يشغل رئاستي الحكومة والمجلس النيابي ولكن من دون المس بموقع الرئاسة الاولى بل من زاوية عدم الذهاب الى الفراغ او القفز في المجهول. وهذا يفتح ملفا للتنسيق والاعداد ليس متوافرا حتى الساعة مع استبعاد جعجع وفق ما ينقل عنه ان يعني ذلك التوافق عليه للرئاسة الاولى بل العمل معه على الارجح من اجل ذلك خصوصا بعدما بدلت انتفاضة 17 تشرين الاول الاوراق بما فيها اوراق تتصل برئاسة الجمهورية المقبلة.

روزانا بو منصف - النهار

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o