Dec 06, 2019 5:07 PM
مقالات

مغالطات الحراك حول الجيش الوطني الشعبي

بقلم :البير فرحات

من سلبيات نخبة المجتمع المدني الجزائري، أنها  تتخلف دوما عن حركة التاريخ

والتاريخ الذي سيكتب  بعد انتخابات 12/12/2019 ، قد يدفن غلى الابد  النظرة السائدة، أن الجيش الجزائري  لا يتماشى مع الديمقراطية، والأدلة موجودة .

فخلال الاسبوع الماضي  وفي عز الحراك الصاخب، نشر البنتاغون، القلب النابض للجيش الأمريكي، بيانا  أشاد فيه بالجيش الجزائري، وقال أنه "شريك استراتيجي  متمكن، وأنه  تربطنا به علاقات متينة،  وله دور بناء                                                                            في ترقية الأمن في المنطقة، ويمتلك خبرة كبيرة في الحرب على الارهاب".

ومثلما كان متوقعا، مر   هذا الموقف البراغماتي الصارم  من الجيش الأمريكي نحو نظيره الجزائري ، في صمت، ولم تتحدث  عنه الاصوات   والمنابر التي كانت  منذ بداية الأزمة  تحاول أن تسوق غلى القوى الغربية، فكرة أنه على راس   الجيش الجزائري ، قائد أركان (  الجنرال أحمد قايد صالح)  طموحه الوحيد هو أن يكون  "سيسي الجزائر".

صحيح أنه يمكننا أن نتهم  الأمريكيين بتهم كثيرة، لكن لا يمكن أبدا أن نتهمهم  بقبول شراكة مع جيش آخر ( عربي  وإفريقي)، إذا لم تتشارك معه في قيم معينة،  وما  لم يبرهن الجيش الجزائري أنه يتوفر  على المبادئ الاساسية  لبناء  نظام ديمقراطي.

فجيش مثل الجيش الوطني الشعبي الجزائري، والذي يعمل ليل نهار لضمان الامن الوطني  وأمن المنطقة والذي يوجه كل قواه لضمان استقرار المنطقة كلها، لا يمكن أن يكون عامل لزعزعة الاستقرار   في بلاده ، وهذا ما اراد الامر يكون قوله من وراء إشادتهم بالجيش الجزائري، وهذا ما يرفض الحراك  أن يسمعه ويفهمه .

فمذ أشهر ، ورئيس الاركان  ينتقد  " الحكم الشخصي"، ويردد أن الجيش الجزائري لا يريد أن  يتدخل في السياسة، ويقدم الضمانات  خاصة إلى المعارضة ونخبها، بان الرئاسيات المقبلة ستتم في  شفافية  غير مسبوقة،   ما زالت هذه  ترفع كل اسبوع  شعار" مدنية وليست عسكرية"، الشعار الذي افرغه الواقع  من محتواه ، إلا أن الحراك تبنى هذا الشعار وكانه هو عقدة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حاليا ، وفي الحقيقة  ما هو إلا محاولة ابتزاز ينم عن سوء نية ، لأن خروج الجيش من السياسة   بدا حتى قبل مجيء بوتفليقة حيث انسحب الجيش من الحياة السياسية سنة 1989 ، عندما انسحب ممثلوه من حزب جبهة التحرير الوطني، وعمل قادته  على ضمان تحويل المهارات نحو  المؤسسات المدنية.

إلا أن رئاسة الجمهورية استثمر ت في الصراع الكاذب، بين العسكري والسياسي الموروث عن الثورة التحريرية ،  وهو ما دفع ببوتفليقة إلى إقالة  الجنرالات الذين اختلفوا معه خاصة سنة (2004)، ولم يهتم   لملاحظات قيادة الا ركان  ورفضها لتعديل الدستو ر  سنة 2009     بما يسمح له بعهدة  رئاسية ثالثة ، وتجاهله رفض الجيش لعهدة رابعة سنة 2014، وكان هذا ظاهريا لبناء  "حكما مدنيا"  ، تحول لاحقا إلى نظام مافيوي ، و  الهدف منه  هو ضرب هيكلة الجيش ، الذي كان يلعب دور  حكم  سياسي واجتماعي ، وكانت الر سالة التي يريد بوتفليقة ومعه العصابة التي يتراسها،  ارسالها من إذكائه الصراع السياسي مع العسكري، أنه لمن أراد أن يبحث عمن يعرقل الديمقراطية، فسيجدها   في مبنى " الطغاران"، وما  جعل هذه التهم تبدو حقيقية، أن المؤسسة لا تتحدث ولهذا فهي تسمى " الصامتة الكبرى" la grande muette".

لكن الحراك يتجاهل عمدا  الحديث عن 20 سنة من الحكم فرضتها انتخابات مزورة ومحسومة مسبقا لصالح بوتفليقة ، والان يحاول توجيه غضب العشرين سنة من حكم  بوتفليقة  ضد الجيش  الذي وجد نفسه في الواجهة   السياسية. وإذا وجدت النخبة المزعومة راحتها في انتقادها للجيش   واتهامه بأنه  يستحوذ على الحكم ، فان استحواذه المزعوم على الحكم هذا هو الاقصر( 10 اشهر) في التاريخ     الديمقراطيات ويمكن القاء نظرة على التجارب، الاسبانية، التر كية اليونانية والبرتغالية ، لنعر ف ما معنى الديكتاتوريات العسكرية، أين بقيت قبضة الجيوش على الحكم سنوات إن لم نقل عقودا.

لكن على خلاف ذلك ، حدد الجيش الجزائري مدة زمنية محدودة (12 ديسمبر)  ، للعودة الى المسار المؤسساتي الطبيعي، وهذا بدون اللجوء الى إعلان حالة طوارئ  ولا حالة استثنائية، أو حضر تجوال، بل حاولت أمام وضع حرج، منع اية انزلاقات سياسية  من شأنها أن التضييق على الحريات ، إلا في حالة ضمان الأمن الوطني  وشن الحرب على الفساد، وللغرابة هذا   المطلب الذي اختفى نهائيا من مطالب الحراك .

كل هذا تعرفه القوى الدولية جيدا، وإن كان بإمكان البرلمان  الأوربي أن يهب لنجدة النخب السياسية المعارضة،  فهذا لن يغير في الامر شيئا لا في الشكل ولا في المضمون، لأن الجيش الجزائري مصمم على تنظيم انتخابات رئاسية بطريقة ديمقراطية  حتى وإن يعجب هذا الامر البعض،  وسينجح في هذا الرهان .

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o