Nov 21, 2019 2:21 PM
خاص

استقلال 2019 بنكهة جديدة: بعد تحرير أرضه.. اللبناني يحرّر نفسه!
إٍسقاط منطق "فائض القوة" و"الفوقية" وانتفاضة على أغلال الطائفية والحزبية

المركزية- يعود عيد الاستقلال هذا العام، بنكهة جديدة، "نوعية"، لم يعرفها منذ 1943 ربما. صحيح ان الازمة الاقتصادية – المالية والتعثر الحكومي اللذين تمر بهما البلاد يعطيانها بعض "المرّ"، الا انه لن يغطّي على "حلاوة" المناسبة التي تبدو مكتملة الاوصاف او في طريقها الى الاكتمال، بفعل اندلاع ثورة 17 تشرين الاول، في بيروت، واستمرارها بزخم شعبي غير مسبوق منذ ذلك التاريخ، دونما كلل او ملل.

فالاراضي اللبنانية تحررت من كل محتلّ. الجيش الاسرائيلي انسحب من جنوبها في ايار من العام 2000، والجيش السوري خرج منها في نيسان 2005. أهم عناصر الاستقلال اذا، بات مؤمنا ومحصنا بزنود الجيش اللبناني وإرادته.

الجديد هذه السنة، ان الاستقلال عن "نير" السلاح غير الشرعي وسطوته، بدأ يتحقق. فللمرة الاولى، كسر الشارعُ هيبةَ قوى الامر الواقع، وانتفض على فائض القوة الذي كانت تستخدمه لترهيبه وإسكاته. والحال، ان الضائقة المعيشية التي أوصلت اليها السلطةُ الحاكمة اللبنانيين، دفعت بهم الى الخروج الى الطرقات والتعبير عن وجعهم، ضد كلّ مَن يجلسون في الحكومة "كلّن يعني كلّن" دون استثناء، على امتداد الاراضي اللبنانية.

فاقتحم هذا "النَفَسُ" الثوري مناطقَ هذه الجهات الحزبية ومربّعاتها، وارتفعت في شوارعها، من النبطية الى بعلبك مرورا بصور وصولا الى الهرمل، الصيحاتُ المنادية بحياة كريمة، بعيدا من اية صراعات لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل. فوقف هؤلاء بكل شجاعة، امام من حاول التصدي لهم وردعهم، تارة بالعصي والهراوات، وطورا برسم "خطوط حمراء" امام ما ينادون به. وكان ان تمكّنوا من إسقاط الحكومة، وصمدوا في الساحات التي غزاها عناصر حزبيون لتخريبها، وزرع الرعب في نفوسهم.

"فوقية" بعض الجهات السياسية اذا- ممّن ظنّوا انهم يديرون اللعبة المحلية الى مَن صنّفوا أنفسهم من "الثوابت" في الحكومات- سقطت الى غير رجعة بعد 17 تشرين. كما لا يجب ان ننسى ان الثوار رفضوا ايضا، تدخّل اي قوى أجنبية، في انتفاضتهم، سواء كانت داعمة لها او منددة بها، بدليل رفضهم مقابلة الموفد الفرنسي كريستوف فارنو الذي زار بيروت بعيد استقالة الحكومة، في جولة استطلاعية كما مواقف السفير الاميركي السابق ديفيد فيلتمان امس... وهذه الوقائع، انما تعتبر مداميك اساسية تساهم في إعلاء صرح "الاستقلال" الفعلي وتدعيمه.

نقطة مضيئة أخرى تظهر في مشهد 22 تشرين 2019، تتمثل في تحرّر اللبنانيين من أصفاد الطائفية والمذهبية والحزبية والمناطقية التي كانت تكبّلهم حتى الامس القريب. فللمرة الاولى منذ عقود، يجتمع اللبنانيون تحت راية واحدة هي "المواطنية اللبنانية" ويطالبون بدولة عصرية مدنية، تعطي كل صاحب حق حقّه وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدا من المحسوبيات والحسابات الضيقة. أليس ذلك أرقى أشكال الاستقلال وأسماها؟

أما الفساد، الذي نخر مفاصل الدولة وأوصل البلاد الى الانهيار حتى لم يبق سوى إشهار إفلاسها، فأعلن الثوار الحرب عليه. وهم، على ما يؤكدون، لن يتراجعوا حتى محاسبة من تلوّثت أيديهم فيه، مع تمسّكهم بضرورة انشاء حكومة تكنوقراط مستقلّين خالية من اية اسماء او وجوه تحوم حولها شبهات فساد، لتتولى قيادة السفينة اللبنانية المشلّعة، الى برّ الامان.  

بعد تحرير أرضه، اللبناني حرّر نفسه وذاته، هذا العام.. ولذلك، ليس 22 تشرين الثاني 2019، كسواه.

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o