Nov 10, 2019 5:33 PM
عدل وأمن

ملاحظات نادي قضاة لبنان حول اقتراح قانون العفو العام

صدر عن نادي قضاة لبنان البيان التالي:

يطرح مجلس النواب على جدول أعمال الجلسة العامة المنوي عقدها نهار الثلاثاء الواقع فيه 12 تشرين الثاني 2019 اقتراح القانون الرامي إلى إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية.
رغم أن إنشاء محكمة متخصصة لمحاكمة الجرائم المالية يُظهر أن مسألة مكافحة الفساد تحتل أهمية مُتقدّمة، لكن هذا العنوان الجذّاب يتناقض مع مضمون الاقتراح، إذ أن قراءة مواد اقتراح القانون المتعلّقة بتشكيل المحكمة وبإحالة الأشخاص إليها يُبيّن أنها تتضمن بذور تعطيلها وأن الغاية منها لن تتحقّق، لا بل العكس، فإنها ستؤدي إلى منح حصانة إضافية لمن يُفترض محاكمته، وستزيد الإحباط بشأن أي عملية إصلاحية، وذلك للأسباب التالية:
1) ربط الاقتراح المحكمة بمجلس النواب وجعل تأليف هيئتها عبر الانتخاب من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب، كما أعاد الاقتراح تنظيم النيابة العامة المالية بجعل النائب العام والمحامين العامين منتخبين أيضاً من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب، التي تنتخب أيضاً قاضياً أو قضاة تحقيق لدى المحكمة. إن هذا التشكيل يثير الملاحظتين التاليتين:
أ‌- ففي حين أن تكريس دولة القانون يفترض السير قدماً باتجاه تعزيز استقلال السلطة القضائية، فإن هذا الاقتراح أعاد عقارب الساعة إلى الوراء عبر جعل هذه المحكمة تابعة للسلطة التشريعية بما يُخالف المادة عشرين من الدستور وما كرّسه قرار المجلس الدستوري تاريخ 12/9/2019 بأن القضاء سلطة دستورية مستقلة.
ب‌- أثبتت التجربة العملية أن المحاكم الخاصة المنتخبة من قبل مجلس النواب أو المعيّنة من قبل مجلس الوزراء كانت إما معطّلة لم تقم بدورها مطلقاً وإما تابعة حقّقت إرادة مَن عيّنها في أغلب الأحيان، وخير مثال على ذلك المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

2) جعل الاقتراح الإحالة على المحكمة بناءً على إخبار يتقدّم به عشرة نواب على الأقل أو بناءً على تقرير من التفتيش المركزي أو على قرار من ديوان المحاسبة، وبالتالي فإنه يمنع المتضرر من الادعاء مباشرة أمامها الأمر الذي يهدّد حقوق الدولة أو الأفراد بالضياع، ويضيّق نطاق مَن يستطيع اللجوء إلى المحكمة ويحصره بمراجع محدّدة ما من شأنه توسيع مدى الإفلات من العقاب بشأن الجرائم التي تختص بمحاكمتها في حال امتنعت هذه المراجع عن الإحالة وهذا يتناقض مع السبب الموجب من إنشاء هذه المحكمة بمكافحة الفساد ويبدّد فعاليتها.

3) إن تأمين الملاحقة الفعّالة لجرائم الفساد ليس بحاجة لمحاكم خاصة وإنما يكون عبر تقوية السلطة القضائية وتأمين استقلاليتها والاستثمار فيها ورفدها بالبنية التحتية المتطوّرة وتعزيز الثقة بها، وإن المدخل الرئيس لا يمكن أن يكون إلا عبر إقرار قانون استقلال السلطة القضائية.

ملاحظات نادي قضاة لبنان حول اقتراح قانون العفو العام:

طرح "نادي قضاة لبنان" ملاحظاته حول اقتراح قانون العفو العام، المدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية لمجلس النواب، المزمع عقدها بعد غد الثلاثاء.

وذكر أنه "ورد في الأسباب الموجبة للقانون:

1- أن مبدأ الصفح يشكل وسيلة لتعزيز السلم الأهلي ويساهم في إعادة اللحمة بين أبناء الوطن.
2- العفو العام إجراء استثنائي وخطير، يتخذ فقط في مراحل مفصلية من تاريخ الشعوب والأوطان، لطي صفحة الماضي، وفي يومنا الراهن، لسنا أمام صفحة يريد الشعب اللبناني طيها، ما يريد الشعب اللبناني طيه، هو زمن الفساد وعدم المحاسبة، زمن ضعف دولة القانون، والتعدي على القضاء والحكم بدوره.
3- أن تجاوز الآثار الناتجة، إما عن صراعات سياسية، وإما عن أزمات ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي...يتطلب اتخاذ تدابير استثنائية.
4- اليوم لبنان يعيش ثورة تطالب بالمحاسبة وتطبيق القانون، وبالتالي الصراع الموجود اليوم، هو صراع بين الشعب من جهة، والطبقة السياسية من جهة أخرى، والتدابير المطلوب اتخاذها، تتمثل في مكافحة الفساد، وتكريس ثقافة المساءلة والمحاسبة وتطبيق القوانين والحكم بعقوبات رادعة، والنهوض من الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الوطن، لا ضرب مفهوم المحاسبة وتقويض القوة الرادعة للقوانين من خلال إقرار قانون عفو، لا بل هو وبشكل صريح، وإن كان ظاهره لا يشمل جرائم الفساد، كتبييض الأموال والإثراء غير المشروع وسواها، إلا أنه يشمل هذه الجرائم بتخفيض العقوبة، وهو ما يناقض توجهات الثورة في لبنان ومطالبها، فهو لا ينسجم مع متطلبات المرحلة، ولا تأثير له على معالجة الأزمة الاقتصادية.

وهو في هذا المجال:
- يأتي ليكمل استمرار القضم المبرمج والمستمر للقوة الرادعة للعقوبة خاصة في السنوات الأخرى، لا بل هو ينسف القوة الرادعة للعقوبة بالكامل، وهو يضمن للمعتدي إفلاته من العقاب، فيؤلف حافزا له لتكرار جرائمه، وفي الوقت عينه يضرب عرض الحائط حقوق الضحية والمجتمع في الاقتصاص من مرتكيي الجرائم، ويضعف ثقة العامة بالسلطة العامة المنوط بها حماية المجتمع والفرد معا.
- يشكل محاولة نسف إضافية لاستقلالية السلطة القضائية من خلال محو آثار أحكامها وجهودها الرامية إلى حماية المجتمع، وإضعاف دورها وضرب هيبتها وهيبة القانون في أذهان المجرمين.
- يزيد من منسوب التجرؤ على مخالفة القانون وارتكاب الجرائم، فالمجرمون أضحوا على يقين، ولبنان أقر /12/ قانونا للعفو منذ الاستقلال إلى اليوم، أنهم مهما ارتكبوا من أفعال شنيعة سيأتي قانون العفو ليعفيهم أو يخفض عقوباتهم.
- إن طرح قانون العفو اليوم خلال الثورة، مشابه لطرحه قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان، وتوقيت طرحه في هذا المجال، يدل على الغاية غير المعلنة المأمولة منه، والتي تتمثل في تحقيق مكاسب سياسية عبر استرضاء المخالفين للقانون، الذين تعتبرهم هذه القوى السياسية جزءا من جمهورها، وهو بالتأكيد وكما سلفت الإشارة، لا يهدف الى تصحيح أو تحسين أوضاع اجتماعية أو اقتصادية.
- بالإضافة إلى المآخذ المباشرة على القانون، فإن الظروف الواقعية الأخرى، لا تبرر إقراره لا سيما لناحية:

- أن المشرع اللبناني، قد سبق وخفض السنة السجنية فجعلها تسعة أشهر، بصرف النظر عن كيفية سلوك السجين في السجن، وعما إذا كان مكررا أو معتادا الإجرام، وبصرف النظر عن ماهية جرائمه وخطورتها.
- أن القضاة بشكل عام، وبالنظر للسلطة التقديرية، التي منحها إياهم القانون، وأخذا بعين الاعتبار لواقع المدعى عليهم، يلجأون إلى منح الأخيرين الأسباب التقديرية المخففة للعقوبة، وإلى إدغام العقوبات المحكوم بها عليهم، ولا يعتمدون تشديد العقوبات، مع العلم أن حد العقوبات في قوانين لبنان الجزائية متدن نسبيا، بالمقارنة مع سواه من البلدان.
- قانون العفو يطال أمورا تتعلق بالقضاء العدلي، لا سيما في المادة التاسعة منه التي تعدل شروطا للتمييز، لا بل تمنح للمحكوم عليه إمكانية إعادة تمييز حكم سبق ورد تمييزه شكلا، وبالتالي هذا الأمر يحتاج إلى موافقة مجلس القضاء الأعلى، سندا لنص المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي.
- إن تعليق قانون العفو الاستفادة منه على وجود إسقاط للحق الشخصي يؤدي إلى تمييز في أوضاع الأفراد المشمولين بنص القانون، بحسب وضع كل منهم، لا سيما مقدرته المالية على إرضاء المدعي بالحق الشخصي.
- قلب سلم القواعد المتعارف عليها والمعمول بها، فأصبح شمول العفو هو المبدأ والاستثناء هو ما ورد بشأنه نص يستثنيه".

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o