المواقف التصعيدية تُطيح بالموازنة..فهل هناك اجندات مخفية لكل فريق؟
خلاصة ما انتهى اليه إضراب الافران والسجال الدائر حول الازمات السياسية والاقتصادية والمالية، كانت فشل مجلس الوزراء في إقرار موازنة 2020 وإحالتها الى مجلس النواب في موعدها الدستوري الذي يستحق اليوم، وساد مساء أمس جو من التشاؤم إزاء مصير هذه الموازنة بعدما تبيّن انّ المواقف خلال الجلسة انقسمت بين داعية الى إقرارها مخفوضة العجز عبر زيادة بعض الضرائب، وأخرى تمسّكت بإقرارها ضمن سلّة متكاملة تتضمن الاصلاحات والاجراءات الضريبية والكهرباء، وإلّا لا موازنة.
ولعل أبسط ما يُقال عن جلسة مجلس الوزراء، التي خصّصت لمتابعة مناقشة الموازنة وقيل انها نهائية قبَيل جلسة الاقرار في القصر الجمهوري، أنها عكست الارباك الذي تتخبّط فيه الحكومة، وزادَها "بلّة" المواقف التي فجّرها باسيل في ذكرى 13 تشرين.
ولعلّ حالة الغضب التي سيطرت على وزير المال علي حسن خليل، دفعته الى القول لدى خروجه: "نحن بدولة مش دولة، والناس بمكان ونحن بمكان آخر ولا تَحمّل للمسؤولية"، مُستشهداً بقول كمال صليبي: "نحن في بلد بيت بمنازل كثيرة".
وقد عكس موقف خليل المشهد الذي وصلت اليه الحكومة في إدارة درس الموازنة. وعلمت "الجمهورية" انّ النقاش احتَدّ في ربع الساعة الاخير من الجلسة، قبل ان يرفع رئيس الحكومة سعد الحريري صوته قائلاً بحدّة: "إذا هَيك بدّو يكفّي النقاش بَلاها الجلسة من أصلها".
ورفع الحريري الجلسة مُغادراً القاعة.
وقالت مصادر وزارية لـ"الجمهورية" "ان ما حصل يطرح سؤالاً كبيراً هو: هل هناك أجندات مخفية عند كل فريق"؟ ورأت انّ "موقف باسيل كشفَ السياسة التي يتّبعها وظهرت واضحة، فإمّا السلة الكاملة أو لا موازنة. والسلة الكاملة هي: إجراءات ضريبية، اجراءات اصلاحية وقوانين، موازنة وكهرباء، معاً في مشروع واحد، الأمر الذي رفضه خليل رفضاً قاطعاً.
وذكرت "الجمهورية" ان خليل خاطبَ باسيل قائلاً: "سبق وأكدت انني لن أحمل الموازنة فرساناً اتّضَح من خلال تجربة موازنة الـ 2019 انها غير ذي جدوى، واستُنزِفنا بدون فائدة، كما اننا لن نسير في أي ضرائب جديدة. نحن التزمنا المهل الدستورية، وأكدنا اننا سنحيل مشروع الموازنة قبل انتهاء المهل، أما الأمور الأخرى فناقشوها على حِدة من الآن، وحتى نهاية السنة نناقش جنس الملائكة فيما المطلوب إقرار الموازنة وأشرفنا على الانتهاء منها".
باسيل: وقالت مصادر "التيار الوطني الحر" لـ"الجمهورية" انّ باسيل ظل خلال الجلسة مُنكَبّاً على درس الموازنة، ولم يُعِر كلمة ابو فاعور اي انتباه، فيما اشار رئيس الحكومة الى ضرورة عدم اثارة اي مواضيع خارج جدول الاعمال، ولم يعلّق أحد من الوزراء على كلام ابو فاعور.
واشارت الى انّ باسيل استكمل مناقشة نقاط اساسية في الموازنة، ومناقشة نقاط مرتبطة بها، وأكد موقفه السابق المشدّد على وجوب إقرار الموازنة مقرونة بالاصلاحات. واكدت انّ كلام وزراء "القوات" اللبنانية جاء متجانساً مع مطالب باسيل بالنسبة الى الموزانة.
الحريري: وافادت "الجمهورية انّ الحريري استهلّ الجلسة سائلاً: "هل يريد احد الكلام قبل ان نبدأ مناقشة الموازنة؟"، وذلك في خطوة بَدت انها متّفَق عليها مسبقاً.
فطلب ابو فاعور الكلام وبلهجة قاسية، انتقل من الكلام عن حماية الحريات الى الاستدعاءات التي يقوم بها جهاز امن الدولة، واستخدم عبارات في وصفه عالية السقف، ثم تطرّق الى مواقف باسيل وسمّاه بالاسم متوجّهاً إليه بالقول: "اللي بَدّو يجرفنا لم يقرأ التاريخ، وإذا كان لا يعرف التاريخ نَنصح ان يقرأوه له. نحن مَن يَجرف، ومنذ وجدنا معاركنا كلها رابحة". ووصف ابو فاعور خطاب باسيل بـ"الصهيوني" وتوجّه اليه سائلاً: "انت قلت انّ هناك من يتآمَر على البلد وعلى الاقتصاد، واذا كانت لديك الجرأة أعطي الاسماء الآن أمام مجلس الوزراء".
فلم يجب باسيل، وتلهّى بأمور جانبية وهو يحتسي "الشاي". عندها، خرج ابو فاعور، ثم عاد غاضباً جداً وبَدا مستاء جداً. وقال: "انا لم أسمع الجواب". وتوجّه الى رئيس الحكومة قائلاً: "انت يا دولة الرئيس مسؤول عن جهاز أمن الدولة، ويجب ان تستدعي قائد الجهاز وتستجوبه في ما يحصل. ونطلب منك ان تسأل الآن مَن قصد جبران باسيل بالذين يتآمرون على الدولة؟ وإلّا فهم يفترون ويجب ان نوضِح هذا الامر الآن".
وسانَد الوزير اكرم شهيّب ابو فاعو،ر قائلاً: "النبع بينبع من رأس الجبل وبينزل نزول، والجبال هي التي تجرف والسيول تسير من فوق الى تحت، في إشارة الى موقع الجبل".
وغادر شهيّب وابو فاعور للمشاركة في تظاهرة منظّمة "الشباب التقدمي" الى ساحة الشهداء.
أجواء إيجابية
وإذ استهلّ النقاش في الموازنة وكانت الاجواء ايجابية، تحوّل فجأة نقاشاً عقيماً. ولكن تبيّن من طريقة تغيير مسار النقاش، انّ المطلوب هو عدم الوصول الى إخراج الموازنة، بحسب مصادر وزارية كشفت أنّ الحريري وباسيل طلبا تضمينها الاجراءات الضريبية الثلاثة tva والبنزين والدخان، فرفض وزراء حركة "أمل" و"حزب الله" و"القوات" هذا الامر. لكنّ باسيل اقترح فجأة السلّة الكاملة، فردّ الحريري انه يريد إنهاء الموازنة، وقال: "هناك إجراءات صعبة علينا جميعاً تحمّلها، هناك إصلاحات اتفقنا عليها يمكن تضمينها في مشروع الموازنة، والأمور الأخرى نناقشها بعد إحالة الموازنة الى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية".
وإذ رفض وزراء "حزب الله" المَسّ بتقديمات الموظفين في القطاع العام، طلب "التيار الوطني الحر" العودة الى النقاش في مشروع الموازنة "بالقُلب". فتوتّر الجو واستاء وزير المال، فما كان من رئيس الحكومة إلّا أن رفع الجلسة من دون تحديد أي موعد آخر. ولكن لاحقاً، حددت الدوائر هذا الموعد اليوم.