Sep 12, 2019 3:25 PM
خاص

سيمون أسمر... "وطن النجوم" يتيما...

المركزية- صحيح أن اللبنانيين يختلفون كثيرا في تفسير تاريخهم السياسي وأحداثه واستخلاص عبره. لكن من حق التاريخ عليهم أن يسجل لهم أنهم لا يلتقون على شيء كما يجمعون على الالتفاف حول عباقرة الفن وعمالقته في مختلف الميادين. ذلك أننا قد نجد مواطنين يختلفان في انتمائهما الحزبي. غير أنهما يلتقيان بالتأكيد على الانبهار بصوت فيروز وموسيقى الراحل الكبير ملحم بركات، على سبيل المثال لا الحصر و... إبداع المخرج الكبير سيمون أسمر.

لم يكن سيمون أسمر ينتظر الانتقال إلى الحياة الأبدية ليكون في جوار القمر والنجوم. ذلك أنه عرف أن الحياة أقصر من ألا تستثمر في صناعة الفن والفرح و... النجوم.  إلى حد أنه تحول، على مر الزمن، مرادفا لصناعة الترفيه وضخ النجوم في سماء عالم الفن، الذي يودع، مع لبنان، باني مجده الأول.

ولا شك في أن أبناء جيل التسعينات من القرن الماضي يرسمون، بين حنايا ذاكرتهم التلفزيونية، صورة سيمون أسمر يقود سفينة أهم برامج اكتشاف المواهب: ستديو الفن، عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال. لكن من الظلم بمكان اختصار أسمر وإرثه الضخم في عالم الفن والتلفزيون، الذي عرف المخرج الراحل، بحسه الفكاهي وروحه الايجابية كيف يجاري تقلباته اليومية ومتطلباته التي لا تستجيب إلا لما يريده المستمعون والمشاهدون، بمسيرته في أروقة المؤسسة اللبنانية للإرسال. ذلك أن الطالب الذي درس الصوتيات، اختار التلفزيون الرسمي منطلقا لمسار امتد عقودا. فكان استديو الفن أول غيث البرامج الفنية والمنوعات، وأطل على الناس في سبعينات القرن الماضي، وقدم إليهم كبار نجوم العالم العربي، على رأسهم ماجدة الرومي، التي يروي بعض من عايشوا ذلك العصر الذهبي من عمر التلفزيون ولبنان، (قبل أن يتخذ الآخرون" قرار خوض حربهم على أرضه) أن أمام جمال صوتها الاستثنائي اتخذت لجنة التحكيم في البرنامج قرار وضعها خارج التصنيف التقليدي. وإلى اسم الرومي، يحضر على رأس القائمة منى مرعشلي  و"المطرب العربي" وليد توفيق. على سبيل المثال لا الحصر أيضا.

وكما سيسجل التاريخ اسم سيمون أسمر بذهب حفره بالتصميم المعطوف على نظرة ثاقبة لا تخطئ توقعا ولا تضيع هدفا، ولا تسكت عن خطأ فني، سيذكر اللبنانيون أن سيمون أسمر آمن بالفن ورسالته السامية حتى الرمق الأخير، إلى حد أنه لم يخضع لآلة الحرب التدميرية، بل إنه تسلح بإرادة الحياة والصمود والتفاؤل، ليواجه أعداء لبنان، لا بالسلاح الفتاك... بل بما يتقنه على أكمل وجه: صناعة النجوم وابتكار البرامج ومد الناس بجرعات الفرح على مدار الساعة. فكان أن نقل سيمون أسمر استديو الفن إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال، ليخرج صفا جديدا من النجوم الذين احتلوا صدارة المشهد الفني. فمن منا لا يسمع أغنيات رامي عياش، أو وائل كفوري أو نوال الزغبي أو نجوى كرم... جميعهم كان لهم الحظ في الوقوف على مسرح سيمون أسمر وأمام عدسته، والاستماع إلى ملاحظاته ليصيروا مغنين يضيئون ليالي مهرجانات لبنان، ويملأون موجات إذاعاته، بمواهب رآها أسمر واستشف فيها صورة لبنان المجيدة... التي لا تنفك تنضح فرحا وحياة، علما أن عطاء سيمون أسمر توسع ليبلغ أيضا الموهوبين في مجالات التقليد وتقديم البرامج والشعر والرقص...

غير أن الأهم يكمن في أن إرادة فولاذية وقدرة مشهودة على الابتكار حدت بالمخرج الراحل إلى ضخ بعض التغيير الذي كان ينقص التلفزيون في لبنان، فولد عدد من برامج المنوعات، التي لا تزال الذاكرة الجماعية تحفظها في أرشيفها، بينها "كأس النجوم" و"ساعة بقرب الحبيب".. قبل أن يعيد أسمر إحياء ستديو الفن عام 2010، هذه المرة على شاشة "إم. تي. في.، وهي اقتنصت إطلالته الأخيرة في النسخة الثالثة من "ديو المشاهير"، كأحد أعضاء لجنة التحكيم.

لكن كل هذا في واد... وحال الفن والمبدعين في وطني في واد. ذلك أننا في بلاد لا ترى أن مبدعيها يحتاجون تكريما ورعاية بعدما كرسوا لهم حياتهم وعمرهم وفكرهم وإحساسهم، ولا يختلف سيمون أسمر في هذا الشأن عن كثير ممن سبقوه إلى دنيا الخلود. لكن أناسا بحجمه لا يمكن إلا أن يكونوا مرادفا للايجابية، وإن خسروا معارك كبيرة مع المرض و... الحياة. يكفيه فخرا أنه صنع النجوم على الأرض، وأن "وطن النجوم" الذي ملأ فضاءاته بات يتيما، وسيمضي عمره يبحث عن سيمون أسمر جديد يخرج إلى أضواء الشهرة ما في خلق الله من إبداع وموهبة...

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o