Jul 15, 2019 2:57 PM
خاص

حادثة مخفر الدامور: ما وراء "أبوة" نواف الموسوي...
الاجهاز على الدولة المدنية برصاص السلاح المتفلت

المركزية-  بين شباط وتموز 2019، خمسة أشهر كان فيها عضو كتلة الوفاء للمقاومة  النائب نواف الموسوي هو الحدث على أكثر من صعيد. ذلك أن حزب الله سجل من خلاله سابقة نادرة في العمل السياسي، حيث أن زلة لسانه الشهيرة التي مست الذاكرة الجماعية المسيحية بعد التعرض للرئيس الشهيد بشير الجميل في خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري في شباط الفائت دفعت بالحزب وللمرة الأولى، إلى تقديم اعتذار علني إلى الكتائب والقوات وسواهما من الأطراف وإلى إنزال أشد العقوبات به... إلى حد حرمانه من ممارسة نشاطه النيابي لمدة عام كامل، قبل أن تخفف العقوبة للأسباب غير المعروفة والتي ستبقى طي الكتمان جريا على التقليد الذي يسير بهديه حزب الله. 

على أي حال، فإن حادثة مخفر الدامور تتجاوز، في الخلاصات التي ترسمها في الأفق السياسي، السجال السياسي الكلامي الذي شهدته القاعة العامة في شباط الفائت بين الموسوي وزميليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، والنائب نديم بشير الجميل. فإذا كان المس بالشهداء ونبش القبور وهز الذاكرة الجماعية مرفوضا، فإن المس بهيبة الدولة إلى حد الاجهاز عليها بفعل السلاح المتفلت، مستنكر ومدان ومستهجن ايضا.

وفي تعليق على هذه الحادثة، تشير مصادر مراقبة عبر "المركزية" إلى أن لا بد من التعاطف، في مكان ما مع نواف الموسوي، الأب أولا الذي هب لنجدة كريمته التي وقعت ضحية زواج فاشل وعنف أسري ومعاناة حرمان الأطفال حنان الأم ودفء حضنها، وهو تصرف قد يقدم عليه أي والد يرى ابنته واقعة تحت نير الظلم والعنف والخطر.

لكن، إذا كان تصرف الموسوي، إذا ما قورب من هذه الزاوية حصرا، مفهوما إلى حد تبرير أسبابه في بعض الأحيان، فإن المصادر تذكر أن "كثيرين هم الآباء الذين تقع بناتهم ضحايا العنف الأسري في مجتمع ذكوري لا ينصف المرأة إلا إن خرجت منتصرة من مواجهة قانونية غير متكافئة مع خصمها الرجل، غير أنهم لا يجدون أمامهم وأمام بناتهم وأطفالهن إلا القانون سبيلا وحيدا لانتزاع حقوقهم وحقوق بناتهم وفلذات أكبادهن".

وتلفت المصادر إلى أن هذا الخيار قد لا يكون الأسرع ولا الأضمن إلا أن في لبنان من لا يزالون يؤمنون بمنطق الدولة وسيادة القانون دون سواه على الجميع، على عكس بعض نواب الأمة، وهم الذين من المفترض أن يكون سن القوانين ووضع النصوص التشريعية دورهم الأول والأبرز.

غير أن الأهم يكمن، في رأي المصادر، في أن هؤلاء الذين يلجأون إلى دولة القانون وقضائها المفترض أن يكون منزها ومستقلا، لا يملكون ترف السلاح واستخدامه لتظهير فائض القوة الذي يتمتع به الموسوي وحزب الله، وهو سلاح كان من المفترض أن تنحصر وظيفته في مواجهة العدو الاسرائيلي دون سواه. غير أن ما شهده مخفر الدامور يتيح القول إن هذه الترسانة باتت تستخدم ضد الدولة وهيبتها ولأغراض شخصية، أولها الانتقام من "الصهر" وتلقينه درسا... في عقر دار قوى الأمن الداخلي، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد يصفها البعض بالـ "ميليشياوية" وغير المطابقة لمواصفات الدولة التي تحترم نفسها وارتضى الجميع الخضوع لسلطتها دون سواها بعد الحرب التي لم يشعل فتيلها إلا انتشار السلاح بين أيدي الناس بعد اطاحة الدولة اللبنانية المركزية وسلطتها لأسباب لا مجال للغرق فيها.

وفي سياق آخر، تنبه المصادر إلى أن لا يجوز أن يحرف تصرف الموسوي المستنكر الأنظار عن القضية الأساسية التي يجب ألا يتوقف يوما النضال في سبيلها: القانون المدني للأحوال الشخصية، بما يضمن بلوغ الدولة المدنية التي تكرس المساواة بين الناس أمام القانون وتحترم فيها الكرامة الانسانية أولا، بصرف النظر عن أي اعتبارات طائفية ومذهبية بغيضة، لطالما كبلت لبنان بأقفاص يجهد مواطنوه للتحرر منها. وفي هذا  المضمار، تذكّر المصادر بأن العراضة المسلحة التي نفذها مرافقو الموسوي في مخفر الدامور لا تنفي أن كريمته غدير قد تضطر إلى خوض المواجهة غير المتكافئة أمام طليقها في حلبة المحكمة الشرعية، والتي قد لا تنتهي لصالحها، لا لشيء إلا لأن السلطات الدينية والتقاليد الاجتماعية قد تحرمها أطفالها... وهو ما جعل الموسوي نفسه يدمع في مؤتمر صحافي تناول فيه هذا الملف، وهذه حال كثير ممن لا قدرة لهم على أخذ حقهم بسلاحهم، كما فعل هو.

وتختم المصادر مشددة على أن المطالبة بقانون مدني موحد للأحوال الشخصية وبالدولة المدنية التي تعطى الأولوية فيها للانسان بوصفه قيمة في ذاتها، لا تعني المس بدور المؤسسات الدينية ورجال الدين، بحيث يبقى خيار اتمام الزواج والطلاق وسواهما من القضايا الشخصية، تحت سلطتهم متاحا تماما كما هي الحال في معظم دول العالم المتحضر. كل ما في الأمر أنه آن الأوان لقيام دولة لبنانية يكون الانسان فيها موضع الاهتمام الأول بقطع النظر عن أي أمور "شخصية" لا تعني أحدا سواه، وتتأمن فيها أدنى مقومات الحياة الكريمة الصالحة، ليس أقلها المساواة في الحقوق والواجبات.   

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o