May 16, 2019 7:55 PM
مقالات

يا يوم صفير

على الطريق الى بكركي نام اللبنانيون في إنتظار مرورك، لم يكن تشييعاً عفوياً صادقاً وحزيناً، كان حرصاً صادقاً على التأكيد أنهم جميعاً حفظوا الدرس وعرفوا روح عمق الإيمان بالله والوطن، ولم يكن وداعاً بمقدار ما كان احتراماً وعهداً جماهيريين لموكب المهيب  وعلى ما تقول  أنك قلت وهم سمعوا جيداً .

قليلون في تاريخ هذا البلد التاعس الذين تحول موتهم تكريساً جماهيرياً هائلاً لمجد حياتهم، التي كانت كل لحظة منها، وكل كلمة فيها، لا بل كل نبضة في عمقها، من أجل لبنان وطن التعايش النبيل والشريف الذي يليق بمحبة توصي بها السماء بلد الحرية والسيادة والإستقلال .

وقليلون لا بل نادرون أولئك، الذين ينام الناس في الشارع ويهبون مع الفجر، ليلوحوا لهم كما لوّوا لك ماراً على مهل، وهاطلاً مثل دموع في صمت، ومغادراً على مهل ومع كثير من المرارة في كل منهم، ولكأنهم أرض وقد إقتلعت منها الشجرة الوارفة، فمن أين لهم بعد فيئها وثمارها وقوتها، إن لم يكن من وصيتك وقد قلق ما قلت وسمعوا وفهموا، فهم في لبنان على رجائك بأن يكونوا فعلاً التربة الصالحة .

في الحياة يرسم كل منا من موقعه خريطته ويكتب أبجديته سواء كان بطريركاً او إنساناً عادياً، لكن التواضع العميم يا سيدنا الكاردينال ما نصرالله بطرس صفير، والأصح النعمة السماوية، هي التي تمنح ما منحتك أنت وقد تحول موتك مدرسة لحياة وطن وشعب .

ويا يوم صفير، وقد أتوا من أرجاء الوطن المصلوب، ليثبتوا فعلاً أنهم سمعوا وسيسمعون دائماً ما قلته، والأمر ليس بوصية بل فعل إيمان، أولم تقرأ الرئيس نبيه بري يكتب أنك عشت من أجل لبنان ومت ليحيا لبنان، الذي كنت إحدى بركاته ونعمه وعيونه الحارسة وأرزاته السامقة ؟

لا لن تمضي، قطعاً ستبقى، وسيظل هناك من يفكر كيف كان يوم وداعك جللاً ولماذا صار يوم البطريرك صفير جللاً، ولماذا وقف المواطنون على جانبي الطريق في ألم وخشوع وانت تمر الى بكركي ، تماماً كما يقف ذلك الصف من الصنوبرات ناحباً وحانياً، وتماماً كما بكى الدرب الجبلي الضيق الذي كنت تصعده صباحاً تقف وتعطي بركاتك لبيروت والرعية !

لا أعرف أين سيجدون مكاناً يتسع لطوفان رسائل العزاء، أو بالأحرى لمشاعر الأشقاء العرب والأصدقاء من العالم، الذين أبرقوا معزين لبنان، بمن أعطى كل ما ملك لبلد ظل ينظر اليه دائماً على أنه يختصر الوصايا في المحبة والألفة والتعايش وفي الحرية والسيادة والإستقلال والكرامة .

ليس مهماً على إلاطلاق، لأن الأكثر أهمية وعمقاً ان البطريرك الأكثر وداعة وتواضعاً ورقة من صباحات بكركي، النائمة على كتف البحر والملتحفة سماء ربها، سيبقى درساً وقدوة ووصية، وأنه تمكن ان يجعل من موته وصية لحياة لبنان واللبنانيين !

أعرف أنك فوق في رفقة ميخائيل، وأعرف أنك سمعتهم يقفون خاشعين لمرورك ويهتفون لك بالقوب والعقول والايدي .

النهار- راجح الخوري

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o