May 16, 2019 4:42 PM
أخبار محلية

لبنان يودّع "أيقونة الكنيسة المارونيــــة" وبطريرك الوطن
أركان الدولة ووفود دولية وحشود شعبية تشارك في التشييع

المركزية – لن يكون رحيل البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عاديا، هو الذي لم يكن عاديا في حياته على الارض بل استثنائيا بأقواله وأفعاله. فوسط حداد عام لفّ البلاد وإقفال للمدارس والجامعات والمحال التجارية في معظم المناطق اللبنانية وتنكيس الأعلام على الدوائر والمؤسسات العامة، يودّع لبنان "أيقونة الكنيسة المارونية" وبطريرك الوطن الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، في تشييع مهيب، يحضره الرؤساء الثلاثة ونواب ووزراء ووفود دولية وعربية وجمع غفير من اللبنانيين، الذين حضروا من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب لوداع "بطريرك الاستقلال الثاني".

ويودع لبنان الكاردينال صفير في الخامسة عصراً، حيث تقام مراسم الدفن في الباحة الخارجية لبكركي يرأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي رفض أن يجلس على كرسيه الكبير وطلب أن تكون كرسيه عاديّة مماثلة لكرسي المطارنة.

وأقفلت ابواب كنيسة سيدة الانتقال ظهراً امام المؤمنين وجثمان صفير في داخلها، وتوقفت التعازي في الصرح تحضيرا لمراسم الجنازة. ومنذ الصباح اكتملت الاستعدادات لمراسم الدفن، وبدأ المودعون والوفود بالتوافد الى الباحة الخارجية للصرح حيث أقيم مذبح وضع عليه الصليب المقدس ورفعت عليه صورة للعذراء وخلفه خمسة اكاليل باللون النفسجي ترمز لجروح المسيح. وأقيمت منصة باللونين القرمزي والبنفسجي وهو لون الحزن لدى الأحبار والملوك.

ويوضع النعش على منصة وضعت حولها 12 مزهرية باللون البنفسجي وترمز الى رسل المسيح و14 صليبا من حديد تعبيرا عن مراحل الجلجلة، ووضع حول المنصة من الجانبين حوالى 260 كرسيا للأساقفة والكهنة ورجال الدين، ووضعت ثلاثة مقاعد للرؤساء وأربعة لممثلي الدول وهي فرنسا والسعودية والأردن وقطر، وجهزت الباحة بحوالى 8600 كرسي. وتم وضع أكاليل من الزهر باسم الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري على نعش الراحل.

وتم استبدال النعش الذي نحته الفنان رودي رحمه خلال مراسم الدفن بآخر أقل وزنا وأكثر بساطةً ليشبه الحياة المتواضعة التي عاشها البطريرك الراحل، ويعرض النعش الحالي في متحف الكاردينال صفير في ريفون، مسقط رأسه. وحفاظاً على أهميته ورمزيته فضلت بكركي أن يكون متاحا لمشاهدته بعد سنوات.

وتمّ اختيار كهنة ومطارنة محددين لحمل نعشه، حيث سيدورون به ثلاث مرات كما عندما ارتسم كهنوتا، قبل لطمه بالمذبح، لتكون أشبه بقبلة أخيرة للمذبح الذي رافقه طوال حياته الكهنوتية قبل انتقاله الى حياته الابدية جيث سيخدم السيد المسيح من فوق كما كان يخدمه على الارض.

وبرز أيضاً الحضور المكثف للقوى الامنية التي تتولى متابعة أدق التفاصيل بإشراف شخصي من مدير مخابرات فرع جبل لبنان العميد كليمان سعد.

كذلك، خصص مقعدان في الصفوف الأمامية لحارسي بكركي: النائب فريد الخازن وأمين الخازن، لما لعائلة الخازن من دور في حماية البطريركية، وقال النائب الخازن: "أمينا بكركي سيجلسان في مكانين خاصين تبعاً للتقاليد ووجودنا معنوي ويرمز إلى التاريخ العريق بين البطريركية المارونية وآل الخازن".

وأضاف: "الكنيسة المارونية والبطريركية تحديدا هي مؤسسة جامعة مؤمنة بالسلام والتعايش وبكل المبادئ التي كان البطريرك صفير يؤمن بها والتي يحملها الآن البطريرك الراعي".

ولوحظ في الترتيبات أن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية سيجلسان جنبا الى جنب في تشييع البطريرك وفي الجانب الآخر سيجلس رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل مع الوزراء.

وفود مشاركة: بدأت ساحة بكركي تغصّ بالشخصيات السياسية والوفود منذ الثانية بعد الظهر، وحضر وفد من الحزب "التقدمي الاشتراكي" للمشاركة في الجنازة، ضم فعاليات من مختلف بلدات الجبل ورجال دين من مختلف الطوائف المسيحية والاسلامية، وتقدم الوفد النائب تيمور جنبلاط ممثلا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع وفد اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي. وقال وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب: "البطريرك صفير رجل استثنائي في ظرف استثنائي ولذلك فإن وفدنا كان يجب ان يكون استثنائيا. اهالي الجبل يذكرون البطريرك صفير والمشاركة اليوم هي دليل رقيهم في وداع هذه القامة الكبيرة" وقال الشيخ عامر زين الدين: "جئنا تلبية لطلب وليد جنبلاط الذي اضطرّ للسفر خارج البلاد ويمثّله تيمور جنبلاط".

 ووصل الموفد البابوي الكاردينال ليوناردو ساندري، والسفير وليد البخاري ممثلا الملك السعودي، كريستينا رافتي ممثلة الرئيس القبرصي، جان ايف لودريان ممثلا الرئيس الفرنسي، حمد بن عزيز الكواري ممثلا الأمير القطري والسفير الاردني ممثلا ملك الاردن. ونظراً لحساسية الوضع بين قطر والسعودية تمّ تقسيم الكراسي الأربعة، بحيث سيجلس السفير السعودي وليد البخاري إلى جانب ممثل الأردن وسيجلس ممثل قطر إلى جانب وزير خارجية فرنسا من الجهة الأخرى. وقال البخاري: "حضرنا اليوم بتكليف من خادم الحرمين الشريفين لأن البطريرك صفير هو من اهم ركائز السلام والعيش الواحد في لبنان ونحن نقتدي دائماً برسالته في العالم وفي العالم العربي".

بدوره قال رئيس تيار المردة سليمان فرنجية: "لا بد من وقفة اجلال لهذا الانسان الكبير الذي اتفقنا معه بفترة واختلفنا معه بفترة اخرى ولكن دائماً كان هناك احترام متبادل".

وقال نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني: "البطريرك صفير هو ذاكرة وطن وسيبقى وطناًُ في ذاكرة. بوداع البطريرك صفير نودّع حقبة تاريخية من تاريخ لبنان ساعد من حافظوا على وجود هذا البلد في مرحلة كان وجوده مهددا ولا بد ان نكون جميعنا هنا"، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية مي شدياق التي قالت: "البطريرك صفير كان الرعي الكبير لكل ابناء الطائفة وكان صلباً بمواقفه".

وقال الرئيس فؤاد السنيورة: "احفظ غبطة لبطريرك صفير الكثير من الود والتقدير وهذا التقدير لمسته في الايام الصعبة التي مر بها لبنان".

وقال رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض: "البطريرك صفير بالنسبة لنا اب الاستقلال والسيادة وهو رافقنا بكل محطاتنا الاساسية والوطنية منذ انتخاب الرئيس الشهيد رينه معوض".

من جهته، قال النائب زياد حواط: "هذا الجمهور يؤكد أن هذا البطريرك لجميع اللبنانيين وعابر للطوائف".

أما النائب نديم الجميل فقال بعد وصوله: "هذا النهار هو لكل شخص يآمن بسيادة لبنان، نحن اليوم نريد شكره لوقفته الوطنية فهو الميزان بين الحق والباطل وهو المرجع والميزان بين الحق والباطل".

كما حضر النواب ألان عون وشامل روكز وابراهيم كنعان، إضافة الى بيار بو عاصي الذي قال: "البطريرك صفير علمنا درساً ان نكون جريئين في اصعب الظروف".

ومن الوفود المشاركة أيضاً وفد من "حزب الله" ووفد من "التيار الوطني الحر" ووفد من "حركة أمل".

انطلاق الباصات: وكانت وفود رسمية وشعبية من "القوات اللبنانية" انطلقت بالباصات من معراب في اتجاه بكركي. وقال منسق "القوات" في البترون: "أقل ما يمكن ان نفعله هو أن نقف وقفة وفاء كقواتيين وبترونيين للبطريرك صفير الذي كان وفياً لنا وعلى كل مواطن لديه حسّ وطني أن يشارك في هذا اليوم وصفير ليس حكراً على طرف إنما هو لكل لبنان".

وانطلقت الباصات أيضاً من المدفون تقلّ وفوداً من كلّ الطوائف من بشري وعكار والكورة وزغرتا، كما انطلقت مواكب سيّارة لحزب "القوات" ولافتات وصور وأقوال للبطريرك صفير تُردّد عبر مكبّرات الصوت. وخصصت نقطة ثابتة في جونية لتجمّع الوفود هي ملعب فؤاد شهاب حيث توجهت الباصات بحسب ألوانها إلى بكركي وسط تنظيم لوجستي ممتاز.

إقفال ومشاركة: وحداداً على الكاردينال صفير، أعلنت جمعية تجار الرميل الاقفال العام. ورفعت صور للكاردينال صفير في مدينة طرابلس. وتأهبت زحلة وأبت أن يرحل البطريرك مار نصرالله بطرس صفير قبل إلقاء الوداع الأخير عليه.  فاصطفت السيارات واحتشدت الوفود في شوارع المدينة بانتظار ساعة الانطلاق نحو بكركي للمشاركة في مراسم الجنازة.

معزون: وكان البطريرك مار بشاره بطرس الراعي وعائلة الراحل واصلوا قبل الظهر تقبل التعازي. ومن المعزين سفيرة حقوق الانسان في لبنان انطوانيت شاهين التي اعتبرت في تصريح لها من بكركي، "ان خسارته هي خسارة كبرى لجميع اللبنانيين وقالت: "برحيل البطريرك صفير لقد خسرنا نحن بالذات، بعدما مررنا انا واهلي في اصعب الظروف، وفي اصعب عذاب يمكن لإنسان ان يصادفه. وهو كان سندا لنا ورافقنا كأب وانسان، كان ملجأ لنا ولأمي مسح دموعها ودموع كل المقهورين.اعجز عن الكلام فلقد كان انسانا كبيرا، وكل ما قيل فيه هذه الأيام لن يفيه حقه".

وأضافت:"عندما كنت في السجن كانت أمي تصعد درج بكركي حافية القدمين، وكان يستقبلها بموعد ومن دون موعد، وبعد صدور حكم الإعدام قالت له امي: "سأجلس على اسفل الدرج في بكركي وسأقول للجميع اريد ابنتي، ابنتي بريئة". فقال لها: "لا مكانك ليس على اسفل الدرج انما الى جانبي".

وتابعت: "لدينا حكايات وحكايات معه لقد امضى معنا خمس سنوات ونصفاً وكان يقول للمحامين ولسيدنا المطران غي بولس نجيم، هذه الفتاة تدمي قلبي بسبب العذاب الذي تعيشه".

وتحدثت شاهين عن حنكة البطريرك صفير وقالت: "كان يستقبل احد القضاة المحققين لدى زيارة والدتي له وهي باكية آنذاك، وبدأ يسأل امي عن قضيتي وعن معاناتي، فانسحب القاضي خجلا".

وقالت: "عندما حكم علي بالإعدام ولم يعد بمقدوري الكلام  وبما انه السند لكل مظلوم أرسلت له وصيتي بأن يعمل على اظهار  براءتي مهما حصل لي، وهكذا حدث. وظل يرافقني وانا داومت على زيارته لآخر حياته، وامي اليوم لم تتمكن من الحضور بسبب المرض لكنها اوصتني بأن اقول له: لن ننساك ولن ننسى كل ما قمت به ، فانت لطالما مسحت دموعنا، والإنسان لا ينسى من وقف معه، رحمك الله".

 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o