Apr 21, 2019 2:24 PM
أخبار محلية

مطر محتفلا بالفصح: الإنقاذ الاقتصادي للبلاد أولوية

 احتفل رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، قبل ظهر اليوم، بقداس أحد القيامة المجيدة، في كاتدرائية مار جرجس في بيروت، يحيط به النائب العام لأبرشية بيروت المارونية المونسنيور جوزف مرهج ورئيس كهنة الكاتدرائية المونسنيور اغناطيوس الأسمر والخوري داود أبي الحسن والشماس جورج عازار. وشارك فيه الوزير كميل أبو سليمان والنواب: نديم الجميل، بيار بو عاصي، سيزار أبي خليل وإدي أبي اللمع، الوزراء السابقون رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن، أعضاء اللجنة التنفيذية للمجلس، غطاس الخوري، سليم الصايغ وجو سركيس، رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه، الأمين العام للجنة الحوار المسيحي الإسلامي حارث شهاب، الأمين العام للاتحاد من أجل لبنان مسعود الأشقر، رئيس قدامى الحكمة فريد الخوري، ممثلو هيئات روحية وقضائية ونقابية وعسكرية وأمنية وإجتماعية وراعوية ومصلون.

وبعد الإنجيل المقدس ألقى المطران مطر عظة استهلها بطلب الرحمة والشفاء لضحايا التفجيرات الإرهابية التي تعرضت لها عدة كنائس ومؤسسات في سريلانكا، وقال:
"في قراءة الإنجيل المقدس عن موت الرب يسوع وقيامته، نلمس التحول العظيم الذي جرى للذين كانوا معه من تلاميذ ونسوة تقيات، بين مساء الصلب في يوم الجمعة وانبزاغ فجر القيامة يوم الأحد. ففي مساء الجمعة كان الحزن يلف هذه الجماعة، وكان الفريسيون يزيدون إمعانا بالشر محاولين قتل المعلقين على صلبانهم على وجه السرعة لكي يدفنوا قبل حلول السبت، لئلا يجيء دفنهم مخالفا للشريعة. وكأن الإجرام وقتل الأبرياء مسموح كل يوم أما عملية الدفن في يوم السبت فهي المخالفة الكبرى لأحكام الرب وأوامره.
والمفجع أيضا أن يسوع لم يكن له أحد ليهتم به بعد موته سوى مريم أمه الحزينة ويوحنا الغريب في أورشليم، ولم يكن لهما مكان يدفنانه فيه. فنتأمل أمام هذا المشهد بتواضع رب المجد الذي تجسد في أرضنا ولم تجد عائلته مكانا يولد فيه طفلا، والذي مات كفارة عنا رجلا ولم يجد له أخصاؤه مدفنا يكرمون فيه جسده المقدم ذبيحة لأجلنا. إلا أن يهوديا من الرامة تقيا يخاف الله طلب من بيلاطس أن يضع يسوع في قبر جديد يخصه، فوضع هناك وختم القبر على مدخله بحجر كبير.
لكن فجر القيامة كان آتيا، والتغيير على الموعد مع القلوب الخاشعة. فعندما ذهبت المجدلية إلى القبر باكرا صباح الأحد، فوجئت بالحجر الكبير وقد دحرج عن بابه. فأسرعت إلى الرسولين بطرس ويوحنا وأخبرتهما عن الأمر. وللحال قصد الرسولان القبر ودخلا إليه، ورأياه فارغا والأقمطة التي لف بها يسوع مطوية وموضوعة في زاوية. فآمن يوحنا بالقيامة قبل أن يرى يسوع. وبعد رجوع الرجلين إلى مكان إيوائهما تراءى الرب لمريم المجدلية وكلفها بنقل الخبر السار إلى الجماعة كلها. وفي مساء ذلك اليوم العظيم تراءى الرب للرسل الأحد عشر وكانوا مجتمعين في مكان واحد. وأمام هذا المشهد السماوي الرائع بدأوا ينفضون عنهم غبار الحزن ويستعدون لاستقبال مفاعيل القيامة في حياتهم وفي مصير الدنيا بأسرها".

أضاف: "ما كان الرسل في بداية الأمر مستوعبين لخبر القيامة، على الرغم من تنبيه الرب لهم أثناء توجهه الأخير إلى أورشليم حين قال: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان سيسلم إلى أيدي الأثمة فينكلون به ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم". وهو أيضا سبق وتحدى أرباب الهيكل على مسمع من رسله قائلا لهم: "انقضوا هذا الهيكل وأنا أبنيه في ثلاثة أيام". وقد شرح الإنجيلي هذا الكلام بقوله إن الرب كان يعني هيكل جسده بالذات. وهم ما أدركوا أيضا كلام الرب لهم في العشاء السري عندما بارك الكأس قائلا: "خذوا واشربوا منه كلكم هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يهرق عنكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا". لكن القيامة حدثت وملأت كيانهم غبطة. وتردد الرب لزيارتهم لمرات وعلى مدى أربعين يوما، ليبني فيهم شخصية جديدة.
وما إن حل الروح القدس عليهم في يوم العنصرة حتى تحولوا من صيادي سمك إلى حكماء، ومن خائفين مذعورين إلى شجعان في قول الحق والتمسك به حتى الشهادة. وقد ركزوا تعليمهم كله إلى قيامة المسيح، على أنها انتصار للمحبة على العداوة، وللحياة على الموت، وللنعمة على الخطيئة. وما آمن به الرسل وعلموه جاء بولس وحمله إلى أصقاع الأرض المعروفة آنذاك، شارحا بأن الرب يسوع هو حقا آدم الجديد، الذي فتح للانسانية بابا لخلاصها، متخطيا آدم الأول وانحراف التاريخ معه في مسار نحو الموت ليعود إلى مسار نحو الحياة".

وأردف: "هكذا برزت قيامة المسيح أساسا للايمان المسيحي ومنطلقا لعمل هذا الإيمان في الأرض. فالرب قد غفر خطايا البشر بتضحية ابنه الوحيد ومحا بذبيحته خطايا العالم بأسره وفتح للانسانية جبلة يديه فرصة للتجدد. وما زالت المسيحية، منذ ألفي سنة تشهد لقيامة السيد له المجد في حياتها وفي تعليمها، معلنة عن رجاء لا يقهر فيها بأن تعثر الإنسانية لم يعد قدرا قابعا على صدرها، بل هو إلى انحسار لأن قوة الشر قد سقطت في الميزان أمام قوة المحبة النابعة من المسيح المنتصر. لذلك يقول بولس الرسول: "حيث كثرت الخطيئة هناك فاضت النعمة". لقد صار الشيطان مغلوبا والشر مقهورا واليأس ممنوعا والإحباط من عالم ليس عالم المسيح. ألم يقل المعلم: "إن كان عندكم ذرة إيمان ولا تشكون فإنكم تقولون لهذا الجبل انتقل واسقط في البحر، فيكون لكم كذلك". اذكروا ما قاله الرب لبطرس عندما أعلنه رئيسا للكنيسة: "إنك الصخرة يا بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها". هذا هو إيمانكم، فالمسيح قد غلب العالم بمحبته وأنتم بالمحبة ستكونون مع المسيح غالبين، ولن يبقى أمام وجه الله سوى الحقيقة والحرية والفرح".

وقال: "وإذا نظرتم إلى الوطن العزيز لبنان، فإن إيمانكم يمنعكم من الاستسلام بشأنه للقدر وكأنه الأقوى وما من قوة تجابهه أو تتغلب عليه. لقد طال أمد العذاب والتراجع لهذا الوطن على الرغم من اعتبارنا إياه وطن الرسالة. كلنا أخذنا منه أكثر مما أعطيناه، على الرغم من أن كل عطية منا له تعود بالخير على جميعنا. لقد ازدرينا فرصه العديدة بالنهوض فأضعناها تقريبا برمتها، وعطلنا قدراته على بناء الدولة العادلة وعلى تحقيق نموه المرتجى، وعلى صون حق الفقراء والمعوزين، إلى أن صاروا تحت خط الفقر بنسب قل نظيرها. وصار أمننا مرتبطا بتدخل الآخرين واقتصادنا خاضعا لمساعدة الغير لننهضه من كبوته. وإلى ذلك ننتج السلطة تلو السلطة على قاعدة من التوافق فيما لا نعمل شيئا لتقوية هذا التوافق. فالكل يحاسب الكل وما من أحد يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الآخرين.
فهلا عقدنا العزم في ضوء قيامة الرب يسوع وبوحي منها على إنقاذ بلادنا وأن نعمل معا ومتضامنين مرة أخيرة ونهائية، وذلك، اليوم قبل الغد. وهلا رجونا بأن يضحي الكبار منا قبل الصغار بكل ما يلزم من أجل انتشال الوطن من الأزمة الخانقة التي أوقعوه في حبالها؟ عندما هبت الحرائق ملتهمة واحدة من أجمل كاتدرائيات الدنيا في باريس، كانت النيران ستأتي على الهيكل برمته لو توقف الإطفائيون ساعة واحدة لمعرفة أسباب الحريق، قبل أن يبدأوا بعملية الإطفاء. فلماذا لا يقدم كبار القوم في لبنان وفي خارجه من القادرين على إيجاد الحلول لدعم الخزينة العامة كما عمل أمثالهم في باريس من أجل الكاتدرائية؟ هذا عوضا عن المس بجيوب الفقراء وذوي الدخل المقصر عن مواجهة أعباء الحياة؟ إن الإنقاذ الاقتصادي للبلاد أولوية ما قبلها أولوية. ويجب أن تعطى كل شروط النجاح. وليس من الحكمة ضياع الوقت في النقاش المستفيض حول المستلزمات لمكافحة الفساد فيموت المريض قبل أن تنجز الخطة. مع أن هذه الخطة يجب أن توضع وأن تنفذ دون إبطاء، لكنها يجب أن تستمر ملازمة لأي حكم ولأي وقت لأن تجربة المال تجربة لا تعرف لها حدودا ولا نهاية. وإننا نعول على فخامة رئيس البلاد وعلى جميع المسؤولين الحكماء معه لمواجهة هذه الأزمة المصيرية والتغلب عليها فنعبر بالوطن من ضفة الخطر إلى ضفة الأمن والأمان".

وختم مطر: "خلاص العالم كان بفعل محبة إلهية حملها الابن إلى جميع الناس، وخلاص لبنان لن يكون إلا بفعل محبة له من جميع أبنائه كل على قدر طاقته وقبل فوات الأوان. وفيما نستلهم الرجاء بإنقاذ الوطن من قوة قيامة الرب له الممجد، نستمطر عليكم نعمه وبركاته سائلينه أن يفيض علينا عيد قيامته فرحا عظيما لنا وللعالم كله ورجاء لا يقهر أبدا. آمين".

قداس منتصف الليل 

وكان المطران مطر احتفل بقداس منتصف الليل في الكاتدرائية. 

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o