Apr 15, 2019 6:42 AM
مقالات

أزمة دبلوماسية بين باريس وطهران: هل تفرض فرنسا عقوبات؟

بعد أسابيع قليلة، سيترك جيرار أرو، السفير الفرنسي الحالي لدى الولايات الأميركية منصبه في واشنطن ويذهب إلى التقاعد. إلا أنه لن يعود إلى مسقط رأسه في مدينته مرسيليا أو إلى أي مدينة فرنسية أخرى، بل سينتقل من واشنطن إلى نيويورك. 
بيد أن أرو الذي عمل سفيراً لبلاده لدى إسرائيل ولدى الحلف الأطلسي وشغل مناصب رئيسية في وزارة الخارجية الفرنسية، عاد إلى واجهة الضوء في الساعات الأخيرة بسبب تغريدات قوية بشأن البرنامج النووي الإيراني قبل أن يحذفها من حسابه.
وللتذكير، فإن أرو الذي كان مستشاراً دبلوماسياً للرئيس إيمانويل ماكرون خلال حملته الرئاسية عام 2017 التي قادته إلى قصر الإليزيه، معروف بتشدده من هذا الملف وبميوله الأطلسية، وثمة من يصفه في باريس بأنه من "المحافظين الجدد" وأنه كانت له اليد الكبرى في دفع وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس الذي مثل بلاده في المفاوضات التي أفضت إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران صيف عام 2015. وهذا السفير الذي يتهيأ لحزم حقائبه يثير توتراً سياسياً ومشكلة دبلوماسية بين باريس وطهران بسبب تغريداته.
والمفارقة أن هذا الجدل يحل فيما عمد كل من البلدين إلى تعيين سفير جديد لدى البلد الآخر بعد فراغ دام منذ صيف عام 2018 على خلفية اتهامات لطهران بالوقوف وراء محاولة الاعتداء الإرهابية على تجمع للمعارضة الإيرانية في ضاحية تقع شمال باريس نهاية حزيران الماضي. ويوم أمس، سلّم السفير الفرنسي المعين لدى إيران فيليب تيبو، وهو خبير في المسائل النووية، أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فيما وصل نظيره الإيراني بهرام قاسمي، الناطق السابق باسم الخارجية إلى فرنسا ليتسلم منصبه الجديد.
وهكذا، فإن دخول جيرار أرو على الخط في نهاية اعتماده في واشنطن يضع العصي في دواليب العلاقات الفرنسية - الإيرانية المعقدة أصلاً. ففي تغريداته التي صوّبت عليها المصادر الإيرانية، كتب أرو على حسابه الرسمي ما يفيد بأنه "من الخطأ القول انه مع انتهاء مفعول الاتفاق النووي سيكون لإيران حق تخصيب اليورانيوم". ويضيف أرو أنه "عملاً بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي والبروتوكول الملحق به سيكون على إيران أن تبين تحت الرقابة الصارمة أن نشاطاتها النووية مدنية (غير عسكرية)". وفي تغريدة أخرى، كتب السفير الفرنسي "قلنا في عام 2002، ان تخصيب إيران لليورانيوم من غير وجود برنامج مدني اعتبر غير شرعي بموجب معاهدة منع انتشار السلاح النووي وسنكون قادرين، إذا كان ذلك ضرورياً، أن نتعامل بالطريقة نفسها، لما بعد عام 2025. لقد فرضت عقوبات (في السابق) ويمكن إعادة فرضها وليس هناك من "بند غروب"بعد (انتهاء العمل) بالاتفاق النووي".
لم يتأخر الرد الإيراني الذي جاء على لسان عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية الذي رد عبر "تويتر". وتساءل الأخير "إذا كانت تغريدات أرو تعبر عن موقف السلطات الفرنسية فإننا عندها نكون بمواجهة انتهاك لموضوع وأهداف الاتفاق (النووي) ولقرار مجلس الأمن رقم 2231». وخلص عراقجي إلى القول: "نحتاج لتوضيح فوري وإلا سنتصرف بموجب ذلك. ولم تكتفِ السلطات الإيرانية بذلك، بل استدعى رئيس لجنة متابعة تنفيذ الاتفاق النووي السفير تيبو للاحتجاج على مضمون تغريدات أرو بعد ساعات قليلة من تقديم السفير الفرنسي الجديد أوراق اعتماده».
وجاء على موقع الخارجية الإيرانية أن طهران اعتبرت تصريحات أرو «لا يمكن القبول بها»، مضيفة أن في حال تأييد الحكومة الفرنسية التصريحات المشار إليها وأنها تعبر عن الموقف الرسمي لفرنسا، فإن ذلك «يتعارض تماماً مع أهداف ومضمون الاتفاق النووي».
ولوّحت طهران باللجوء إلى الآليات التي ينص عليها الاتفاق النووي في حال لم تجرَ معالجة القضية وإعلان نهايتها، مشيراً إلى أن طهران "تحتفظ بحقها في الرد".
حقيقة الأمر أن السفير الفرنسي لم يأتِ بجديد. فموقف باريس معروف من الاتفاق النووي ومن الحاجة لإطلاق مفاوضات جديدة تتناول بنوده لما بعد عام 2025، حيث ينتهي العمل ببعض ما يتضمنه من قيود على نشاطات إيران في هذا المجال. يضاف إلى ذلك أن باريس تريد من طهران أن تقبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات للنظر في برنامجها الصاروخي - الباليستي، وفي سياستها الإقليمية التي تصفها فرنسا بأنها "مزعزعة للاستقرار". يضاف إلى ذلك كله أن باريس ومع شريكاتها الأوروبية، تشكو من أنشطة إرهابية لأجهزة إيرانية ولم تتردد هذه الدول في فرض عقوبات على طهران، رغم أن هذه العقوبات بقيت إلى حد بعيد رمزية. كذلك، فإن وزير الخارجية جان إيف لو دريان لم يتردد في تهديد إيران بفرض عقوبات جديدة عليها بسبب برامجها الباليستية - الصاروخية وعمدت باريس وبرلين ولندن إلى الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن يلقي كامل الضوء في تقريره المنتظر في شهر حزيران المقبل على هذه الأنشطة. واضح أن كل هذه المواقف تقرب فرنسا وبرلين ولندن من المواقف الأميركية. لكن أي عاصمة من العواصم الثلاث لم تلتحق «بعد» بواشنطن في موضوع اعتبار الحرس الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً. كذلك فإن الثلاث حريصة على استكمال الإجراءات «التقنية» التي من شأنها تمكين إيران من الاستمرار في تصدير نفطها والحصول على سلع وخدمات من البلدان الأوروبية عبر الآلية المالية التي أنشأوها والمسماة «أنستكس».

ميشال ابو نجم-الشرق الاوسط

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o